صاحب بداية التعليم النظامي وانتشار المدارس الحكومية تركيز كبير وبدرجة عالية على الاختبارات، حسب خطة التقويم المعتمدة في تلك الأوقات. ويتضمن التقويم اختبارات قصيرة ممثلة فيما يعرف بأعمال السنة على مدار العام، واختبارات نهائية. والاختبارات النهائية لها وزنها. وهي التي تحدد مصير الطالب في الانتقال إلى الصف التالي من عدمه. وفي تلك الأيام أعتقد أن مستوى القلق عند الطلاب كان أعلى منه في هذه الأيام، ويعاني منه الكثير منهم وحده، ولكنه لم يكن ظاهرا إعلاميا بشكل واضح كما هو عليه الحال في هذه الأيام. وقد يكون السبب في ذلك عائدا لعدة أسباب، منها جدية الطالب، واهتمامه بالدراسة، وتركيزه على التحصيل في الاختبارات بشكل كبير، وقدرة الطالب على التحمل. أما العوامل التي تسهم في ارتفاع مستوى القلق لديهم فهي عديدة، ومنها: الرسوب في الدراسة يعد من أكبر المشكلات التي يعاني منها الطلاب في ذلك الوقت، ونظرة المجتمع الدونية لمن يرسب، والضغوط التي يمارسها المعلمون على الطلاب من حيث صعوبة الاختبارات، وتهديدهم بها، بل هي تحد لهم، كذلك البيئة التي تخلقها المدارس قبل الاختبارات والاستعداد لها من أرقام جلوس، ولجان اختبارات، ومراقبة، وكنترول، ولجان تصحيح، ومراجعة، وإجراءات تفتيش قاسية، وما يصاحب ذلك من إجراءات، وبروتوكولات غير ضرورية، وغيرها من العوامل التي ترفع مستوى أو درجة القلق عن الطلاب؛ حتى إن اختبارات السنة الأخيرة من المراحل الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية كانت فيها الأسئلة موحدة على مستوى المملكة. وهذه الاختبارات المرحلية لها هيبتها، وتعد كابوسا للطلاب. أما الأسر في ذلك الوقت فكانت مشغولة عن أبنائها بالزراعة، أو الأعمال الخاصة. وكان المستوى التعليمي لديها متدنيا. والمستوى التعليمي له أثر في هذا الجانب؛ فالأسرة لا تشارك أبناءها الهم في هذا المجال بشكل كبير؛ لأن الطلاب هم من يتحملون الهم، والقلق بالدرجة الأولى.. كل هذه العوامل أسهمت في ارتفاع مستويات القلق عند الطلاب وحدهم في تلك الأيام. وكثير من الطلاب يتحملون هذه الظروف القاسية التي تمر بهم ماديا، ونفسيا، وما يزيدهم ذلك إلا إصرارا على الاستمرار، والمواصلة، والتفوق. أما البعض الآخر فيرى البحث عن عمل وترك الدراسة هو الطريق الأقصر، والأفضل للمستقبل، ولذلك كانت نسبة تسرب الطلاب من المدارس في بدايات التعليم عالية جدا مقارنة بما هي عليه في وقتنا الحاضر، نتيجة لاكتفائهم بما حصلوا عليه من تعليم، ولكثرة الفرص المتاحة لهم لالتحاق بالوظائف الحكومية.

أما في هذه الأيام فيتصف أغلب الطلاب بسعة البال، وعدم الاهتمام بالاختبارات بالشكل المتوقع، ومن ثم تكون مستويات القلق لديهم متدنية، ولا يقلق كثير منهم، بل يعتبر أيام الاختبارات أياما عادية، وهذا مؤشر إيجابي إذا كان من مبدأ الثقة بالنفس، والاستعداد الجيد للاختبارات، أما إذا كان ذلك من مبدأ اللامبالاة؛ فهذه مشكلة كبيرة بحاجة إلى دراسة وحل جذري، لأن ذلك مستقبل وطن وأمة.

ومن يتحمل الهم الحقيقي للاختبارات في هذه الأيام، ويرتفع لديها مستوى القلق هي الأسر؛ لأنها تلاحظ عدم اهتمام الأبناء بالاختبارات، وعدم تركيزهم على المذاكرة، والاستعداد الجيد للاختبارات. وبذلك فالأسرة تقلق بالنيابة عن أبنائها في فترة الاختبارات. وقد يعود السبب في ذلك لزيادة الوعي الأسري، وتعلمها ولإدراكها لدور التعليم وتأثيره على مستقبل أبنائها. كما قد يكون السبب في تدني قلق الاختبارات عند الطلاب في هذه الأيام إلى أن المدارس لا تعمل على جعل الاختبارات قضية كبيرة كما كانت في السنوات الماضية، وتحاول مساعدة طلابها على الاستعداد المبكر للاختبارات، كما قد يكون لانتشار الدروس الخصوصية، أو ما أسميها بالسوق السوداء للتعليم دور آخر في تخفيض مستوى قلق الاختبارات، نظرا لاعتماد الطالب على ما يقدم له في هذه الدروس الخصوصية. ولا ننسى أن هناك عاملا آخر قد يسهم في تدني مستوى قلق الاختبارات لدى الطلاب بشكل غير مباشر، وهو انتشار المذكرات، والملخصات القصيرة، وتوافرها في مراكز التصوير، مما يجعل الطالب يعتمد عليها في المذاكرة بدلا من مراجعة الكتاب المدرسي كاملا. كذلك يعمد بعض المعلمين، والمعلمات إلى وضع نماذج من الأسئلة والإجابات النموذجية التي في الغالب لا يخرج الاختبار عنها في مراكز التصوير، ويشتريها الطلاب، وقد تكون مذاكرتهم واستعدادهم للاختبارات محصورة على ذلك.

وهنا أرى أن كلا من الطالب والمدرسة، والأسرة مسؤول عن عملية التعليم، والتعلم، والتحصيل، وتوفير البيئة التعليمية المناسبة الخالية من الضغوط النفسية والقلق، فالمتعلم مطالب بأن يستعد منذ بداية العام الدراسي ويستذكر دروسه، ويراجعها أولا بأول، ولا يتركها إلى نهاية العام، وهذا ما يقع فيه كثير من الطلاب. والأسرة مسؤولة عن توفير البيئة المناسبة للطلاب على مدار العام، وتحثهم على المذاكرة، ولا تعلن حالة الطوارئ والاستنفار في أيام الاختبارات. والمدرسة مسؤولة عن مراقبة مستويات طلابها، وأن تعمل على تهيئتهم للاختبارات بشكل مناسب بعيدا عن التهديد بالاختبارات كما يفعل بعض المعلمين، وأن تكون الاختبارات عبارة عن وسيلة لمعرفة مدى تحقيق الأهداف، وليست أداة تحد أو ضغط على الطلاب.