ذهب صاحبنا إلى محل لصيانة المركبات، وهمّ به شباب فتيان من دولة مجاورة يتهافتون على خدمته، كل منهم يريد أن يرفع حصته من الأموال التي سيخرجها هذا الزائر المغلوب على أمره، وليس عيبًا ما يفعله أبناء تلك الجالية وغيرهم من العاملين بهذه المهنة، ما دام أنهم قدموا من بلدانهم للبحث عن لقمة عيشهم، ولكن العيب يقع على الجهات الرقابية على مثل هذه الأعمال التي تمس حياة كل مستخدم وراكب لأي مركبة على مدى محيط وطننا الفسيح. إذ يقول صاحبنا إن أحد هؤلاء العمالة أعاد الإطار الاحتياطي للمركبة (الاستبنة) إلى مكانها دون أن يربطها بموقعها الصحيح، وبالمسمار الذي صنعه صانع المركبة بكبرها، ولم يفعل ذلك بسبب أن لديه حديدا زائدا يريد التخلص منه، أو (فضاوة) لدى عمال المصنع وأراد أن يشغلهم على سبيل المثال، بل لأن خروج هذا الإطار من موقعه مع السرعة الزائدة للمركبة سبب في انحرافها المفاجئ عن الطريق وانقلابها لا سمح الله، فكان السؤال وعامل الصيانة ليس لديه علم بهذه المعلومة، إذ حضر إلى مقر العمل بمبدأ «خذوه فغلوه»، ووجد نفسه يفك ويربط بالتعلم بالنظر، ولم يتعلم حرفًا واحدًا يخص أي نوع من المركبات بشكل نظري، ثم تطبيقي تحت مسؤولية مدرب مسؤول عن أخطاء المتدرب، بل كل ما لديه من حصيلة هو ما شاهده من سبقه، ولو كان من سبقه إلى تلك المهنة يؤدي أي خدمة لتلك المركبة أو غيرها بطريقة خاطئة فسيتوارثها هذا الشاب ما بقي من عمره في تلك المهنة، لينقلها بالتالي لمن يجيئ بعده ويتعلم منه بالنظر وهكذا، والضحايا هم مستخدمو المركبات.

ما أريد قوله إنني أتذكر في لقاء قصير مع المتحدث الرسمي لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، كان الحديث بصدد منح شهادة مهنية لمعظم المهنيين القادمين للمملكة بعد اجتيازهم لاختبار، كل في تخصصه، وعدم اجتياز ذلك الاختبار كفيل بإعادة ذلك المهني إلى البلاد التي قدم منها.

ولكن السؤال البديهي هنا، ماذا سنفعل بمن هو هنا بالفعل، ويمارس مهنة تمس حياة البشر بشكل مباشر؟ ولو اقتصرنا السؤال على مهنة إصلاح وصيانة المركبات مثلًا، أليس من الممكن أن تعدل الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس في لائحتها الفنية لتصنيف مراكز صيانة وإصلاح المركبات؟!، وبالتعاون مع الجهات المانحة لتلك التراخيص المهنية، تصميم دورات أساسية للعاملين بهذا المجال، وباجتيازهم لمتطلبات تلك الدورة تمنح تلك المحلات على غرار شهادة «موثوق» التي تمنحها الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع لمؤثري التواصل الاجتماعي، وبعد استكمالهم لمتطلبات معينة، تقدم الجهات المانحة للترخيص شهادة «موثوق لصيانة وإصلاح المركبات».