«يجب إغلاق الأقسام الأكاديمية للإعلام، الإعلام لدينا لا يؤدي دوره الحقيقي، خريجو الإعلام لا يستوعبهم السوق»، والكثير من المقولات غير الدقيقة، والظالمة في أحيان كثيرة، تشبعت أسماعنا منها.

مسكين هذا الإعلام مأكول مذموم، بكل تفاصيله، الأكاديمي منها والمهني. فالجميع ينصب له المشانق، وفي الوقت ذاته، الكل يريد أن يصبح إعلاميا ويتقرب من الإعلام!

وكأن هذا المجال - بعمومه - جدار قصير يمكن للجميع تسلقه.

نحن معشر الإعلاميين لا نطالب باختراع العجلة، ولسنا من أنصار الإعلام لمتخصصيه فقط، ولكن على أقل تقدير لا بد من أن تكون هناك رخص مهنية لممارسي المهنة، وباشتراطات محددة، «التخصص» ليس منها بالضرورة، في الحد الأدنى لا بد من وجود ضوابط لمن يريد العمل في هذا المجال «بمسماه الحقيقي».

تحويل المؤثرين في شبكات التواصل إلى مذيعين تلفزيونيين ظاهره تسللت لدينا تحديدا في السعودية بشكل ملفت وأثبتت فشلها في أغلب التجارب. فلا المنطق ولا التعليم ولا الكاريزما تليق بظهورهم تلفزيونيا.

لم أشاهد هذه التجارب في الخليج ولا في الدول العربية ولا في معظم أنحاء العالم، فالمذيع التلفزيوني يبقى مذيعا تلفزيونيا، و (المؤثر) يبقى (مؤثر) مهما تنوعت استخداماته وتوظيفاته في الحملات الإعلامية المختلفة.

الإشكالية في القافزين من البارشوت على الإعلام، إنهم يقلصون مجال وفرص العاملين الفعليين فيه، يصيبونهم بالإحباط ويقتلون شعلة شغفهم، فالمهنية والتسلح بأدوات المهنة لم يعودا هما الأساس مع الأسف. علاوة على إشكالية كبرى تتمثل في أن هؤلاء (المتطفلين) على الإعلام يساهمون في صناعة صورة ذهنية سلبية عن المهنة، وبالتالي تصبح كلمة (إعلامي) تغرس لدى المجتمع فكرة أن الإعلام من المهن السهلة، أو هو «التفاهة» التي يمكن لمن أراد أن يمتطي جوادها، وأنها مهنة مرادفة للعشوائيات والفوضى.

ألا يدرك أولئك أن الإعلام هو السلطة الرقابية في أي مجتمع، وأنه وصف بـ (السلطة الرابعة)، لدوره وأهميته في المجتمعات. ألا يعلم أولئك أن الإعلام هو مرآة أي مجتمع، علاوة على دوره التنموي والتنويري، وغيرها من الأدوار التي يجهلها ولا يدركها المتطفلون ومن يمكنهم.

الغريب أن من يتيح المجال لهؤلاء لديه القدرة على الصبر وتحمل الإرث التراكمي من فضائح ومشاكل سابقة لهذا (المؤثر) في يومياته، وما يصوره في الكواليس، وما يستخدمه من لغة سوقية، ولكن ليست لديه قدرة الصبر على تدريب وتأهيل وتطوير خريج وخريجة من قسم الإعلام، لديه الشغف والحماس والعلم والمبادئ المهنية للإعلام!

أخطر ما قد يواجه الإعلام حدوث تسرب وظيفي من المختصين فيه، نظير امتعاضهم من الوضع الراهن، الذي يفاقم الفوضى الإعلامية. وبالتالي فإن المحصلة ستكون، لدينا نموذج إعلامي هزيل، يقوده أولئك المتطفلون ليوجهوا بوصلة الإعلام بطريقة عشوائية، ملامحها الخواء والترهل ولا تخلو من بعض السفه. وللأسف مع الوقت سيتحولون إلى منظرين عن مجال لا يفقهون به.

يجب أن يكون هناك حزم، وأن يكشف الإعلاميون «الحقيقيون» النقاب عنهم، ويخرجوا عن صمتهم، يستنطقون غيرتهم المهنية، فإن لم يدافع أبناء الإعلام، أبناء المهنة الحقيقيون، عن مهنتهم لن يكون هناك حائط لصد العابثين في مهنتهم. عليهم إدراك، أن سكوتهم على المتطفلين، ربما يعبر بطريقة أو بأخرى عن رضاهم عما يحدث.