حوادث مفجعة، وارتطامات مميتة، ودماء تسيل على الطريق، شباب في مقتبل العمر يغادرون الحياة، تاركين وراءهم لوعة الفقد وألم الفراق، أطفال يعيشون اليتم مبكرا، ونساء ترملن، وأمهات يبكين فلذات أكبادهن. مشاهد مؤلمة ظلت تتكرر كثيرا، بسبب حوادث الجمال السائبة على الطرق.

والمؤلم أننا نعايش ذات المشهد عشرات المرات سنويا، دون أن نغادر خانة المتفرج، وكل ما يحدث أننا نسارع إلى وسائل التواصل في كل مرة، لندشن «وسوما» أو«هاشتاجات» ونبث الصور الصادمة عبر رسائل الواتساب.

والسؤال هنا: إلى متى نظل عاجزين عن القيام بخطوة إيجابية فاعلة، توقف هذا المسلسل الدموي الرهيب؟ ومن هو المتسبب في تلك الحوادث القاتلة؟ وكيف تتم معاقبة ذلك المستهتر بما يضمن عدم تكرار هذه المآسي، أو على الأقل نقلل من وقوعها في المرحلة الأولى، قبل القضاء عليها نهائيا؟

في العاشر من نوفمبر الماضي، فجع المجتمع السعودي بوفاة خمسة شبان، كانوا يستقلون سيارتهم على طريق الأحمر «30 كليو مترا غرب الأفلاج»، بعد اصطدامهم بجمل سائب اقتحم الطريق بطريقة فجائية، حالت دون قدرة قائد السيارة على تجنبه، مما أدى إلى وفاة الشبان الخمسة على الفور، تاركين وراءهم الحسرة والألم لذويهم.

الأمر خطير، وتكمن خطورة حوادث الاصطدام بالجمال، في حجم ذلك الحيوان الذي يتراوح في العادة بين 350 و800 كيلو جرام، وطول ساقيه ورقبته، بحيث يصل ارتفاعه في بعض الأحيان إلى مترين ونصف المتر، فيقع على راكبي السيارات أو على السقف بصورة تلقائية فور الاصطدام به، لذلك فإن خطورة الاصطدام بالجمال، تفوق ما يحدث مع باقي الحيوانات التي لا تمتلك نفس الطول.

الغريب في الأمر هو أننا لم نصل بعد إلى تشريع صارم، يلزم أصحاب تلك الحيوانات بالحفاظ عليها، وعدم السماح لها بالتحرك على الطرق السريعة، مع أن ذلك الفعل لا يكلفهم سوى عقلها، لكنه الاستهتار واللامبالاة وعدم المسؤولية.

ومما يضاعف كذلك من خطورة الأوضاع، هو أنه رغم وجود السياج الشائك في معظم الطرق الرئيسية، فإن وجود هذه الحيوانات بالقرب منه يعتبر مخاطرة كبيرة، لأن أجزاء متعددة من السياح تحطمت بسبب الحوادث المرورية، أو بفعل فاعل، وهو ما يسمح لتلك الحيوانات بعبور الطريق، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار ما يتردد، بأن أصحابها يتعمدون البقاء في مناطق تحطم السياج، للعبور إلى الجانب الآخر من الطرق بحثا عن الكلأ.

وعند النظر إلى العقوبات المترتبة على عدم التزام ملاك تلك الجمال المخالفة للأنظمة، التي فرضتها الجهات المعنية، سندرك بوضوح أنها عقوبة مخففة، ولا تتناسب مع مقدار الكارثة أو الأثر، الذي يحدث نتيجة عدم الالتزام، وهو ما يجعل المشهد يتكرر.

لا بد من إعادة النظر في تلك العقوبات وذلك بتشديدها، على أن يتم فرض غرامات مالية باهظة بحق من يترك حيواناته دون رقابة، حتى وإن لم تتسبب في وقوع حوادث، وفي حال التكرار يمكن مصادرة الإبل وبيعها عن طريق المزاد العلني، كما يحدث في بعض دول الجوار، وإن اضطرت الجهة المسؤولة إلى سجن المخالف فلتفعل، فحياتنا أكثر قيمة من مجرد غرامة مالية، أوشريط لاصق أو سياج مهترئ، أو استهتار مالك إبل.