تطوف شجرة الكريسماس العالم هذه الأيام، حاملة معها روح الميلاد الجديد ومعاني الوفرة والسلام.

ورغم أن الاحتفاء بالميلاد هو في الأصل طقس ديني مسيحي، فإنه اليوم موسم يتشاركه الجميع وفيه يتحرك الاقتصاد العالمي. حتى إن إحدى الإحصائيات ذكرت أن ما يقارب %73 من غير المسيحيين في العالم ينصبون شجرة الميلاد في بيوتهم! فكيف أصبح للميلاد هذه الجاذبية العالمية؟

لم يفرغ الميلاد من مضمونه الديني، ولم يتوقف قداسه الرمزي ولا مواعظه التقليدية، ولا تأطيره اللاهوتي، لكنه كأحد تأثيرات العولمة، اتسع ليلامس قيما ومفاهيم إنسانية عالمية عابرة للثقافات، فأصبح مناسبة للعطاء والتسامح والأمنيات والبدايات الجديدة وقصص الحب ودفء العائلة، وهذه المعاني بدورها فضت لاحتياج كبير لمنتجات مادية وغير مادية لترجمتها، فتخلقت ثقافة الميلاد بأكملها في صورة أغنيات وفنون وعلاقات اجتماعية ومهرجانات وصناعات.

من منا لم يشاهد مسلسلات وأفلام الكريسماس التي تزخر بها المنصات الفنية، من منا لا يعجب بموسيقى ومعزوفات الكريسماس الباعثة على الاسترخاء. من منا لا تدهشه الهدايا والحلوى والألوان التي تحمل هوية الميلاد. لقد أصبح الميلاد قوة ناعمة تحرك عجلة الاقتصاد وتسوق الثقافة الغربية خصوصاً وتحولها تدريجيا إلى موروث عالمي.

والسؤال المطروح هنا، هل جاء هذا كله تلقائيا كنتاج للتراكم الثقافي والانتشار الواسع لتأثير مرجعيته في العالم، أم إنه حدث بشكل مدروس وبفعل فاعل؟

الذي أعتقده هو أنه صنيعة العقل الغربي الواعي، ذلك أنه عقل بطبيعته اقتصادي مبدع منفتح وغير مقيد. استطاع أن يستخلص من الميلاد حزمة مشتركات ثقافية وأخلاقية، ثم ترجمها إلى قصص إنسانية ونشرها بأدوات ولغات يفهمها الجميع.

من جهة أخرى أجزم أننا قادرون على الإفادة من هذه التجربة إن أردنا، فبدلا من إطلاق الآراء المتشنجة تجاه التهنئة بالميلاد أو المشاركة فيه، لعلنا نستقبل روح الإلهام الطوافة في أيام الميلاد وبدايات العام الجديد!

لدينا أعياد دينية عريقة ومناسبات شعبية وذاكرة أدبية وقصص ثرية بالمعاني الملهمة. وكل ما نحتاجه هو أن نسبر أعماقها ونستخلص منها معاني يمكنها أن تلامس الوجدان الإنساني وتتحول إلى منتجات وفعاليات ذات عوائد اقتصادية وتأثير ثقافي مستدام.

على أرضنا.. تعاقبت الحضارات وانصهرت الشعوب ومن أجوائنا خرج الأنبياء والزعماء، والفرسان والشعراء والعشاق، لدينا آلاف الحكايات التي تهم العالم ويمكنها أن تخاطب روحه وذاكرته، فلنستثمر انتعاش الاتصال الثقافي العالمي الحالي، فلنكن فاعلين في تأيرات العولمة، ولنعمل بجد على تجسيد موروثنا وتقديمه في قوالب حضارية ملائمة لمشروعنا ورؤيتنا.