من أكثر المسائل التي يضيع فيها العمر هو الخلط الشديد بين أخوين ليسوا أشقاء، أحدهما ينطلق من (العقل) والآخر ينطلق من (العاطفة) وقد يعترض معترض على هذه الثنائية (العقل/العاطفة) بينما المقصود بشكل أوضح هو (العقل/بما يقتضيه من موضوعيه ونزاهة فكرية) و(العاطفة/ بما تقتضيه من ذاتية وانحياز فكري).

الأخوان اللذان يضيع العمر في عدم التفريق بينهما هما (العناد) العبد وأخوه الحر (الثبات على المبدأ) حيث يجمعهما أم واحدة وهي (الشجاعة) ويفرقهما تنازع نسبهما بين قلب وعقل، فالعنيد لا يمكن أن تضيف له التجارب أي خبرة تساعده أن يخدم (قضيته) التي (يعاند) في سبيلها، بينما (الثابت على المبدأ) تجده في كل تجربة تواجهه يخرج بخبرة تساعده في سبيل (الدفاع) عن مبدئه، والدفاع عن المبادئ يقتضي النضج العميق في فهمها، وبقدر ما تسمو فكرياً في فهم (المبدأ) بقدر ما يتفق معك جميع العقلاء بالتأييد والدعم، فالثابت على المبدأ قد يقع في الخطأ لكنه لا يقترف خطايا، أما العنيد فديدنه الخطايا بلا استغفار أو شعور بذنب.

ما الإشكال الذي سيواجهه (الثابت) على مبدئه أمام (العنيد) في سبيل الدفاع عن نفس المبدأ؟ سيواجه (الثابت) مزايدة (العنيد) وملاحاته، لنتفاجأ أنهما يجتمعان في أول وهلة في صفة (القوة) ولكنهما يفترقان في أن (الثابت) عقلاني/ موضوعي في ردود أفعاله دفاعاً عن (المبدأ) بينما (العنيد) عاطفي/ ذاتي في ردود أفعاله باسم الدفاع عن (المبدأ).

(الثابت) موضوعي وهذه الموضوعية تقتضي (تجريد) المبدأ من مواضعات الواقع، ولهذا نجد (الإسلام) كدين ثابت في قلب (المسلم) سواء كان في باريس أو كان في المدينة المنورة دون أي مشكلة، لتجد المسلم الفرنسي سعيدا بحياته في باريس وسعيدا بزيارته للمدينة المنورة، بينما (العنيد) ذاتي وهذه الذاتية تقتضي (ربط) المبدأ بمواضعات (الأنا) داخل الواقع، لترى (الإسلامي) يختلق مشكلة باسم الدين في باريس بسبب النقاب، ويختلق مشكلة باسم الدين في المدينة المنورة بسبب (البقيع)، لأن (العناد) مرتبط بالأنا والدين غطاء لها فقط، بينما (الثبات) وعي موضوعي يتقاطع مع حقيقة كونية أكدها الدين «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين»، فترى (المسلم) الثابت على دينه ومن خلال وعيه العالي بهذه الحقيقة الكونية يرتقي إلى (معنى ديني) يجعل (الإسلام) أكثر حضوراً وفاعلية من خلال (مفهوم القدرة على التعايش والتسامح) بينما (الإسلامي) العنيد وبسبب أناه المتضخمة التي يضطر معها إلى نفخ مفاهيمه الدينية بحجم (ورم الأنا) فتضيق بذلك دائرة التسامح والتعايش عنده إلى حدود تصل إلى (قتل الأقارب) فكيف ننسى (تكفى يا سعد!!) التي ما زال محرك البحث في قوقل محتفظاً بها كقضية تكشف اللون الفاقع لمآلات (العناد) باسم الدين.

(الثبات) على المبادئ يصنع وعيا (شعبيا) يميز الخبيث من الطيب، أما (العناد) في سبيل المبدأ فيصنع (وعيا) (شعبويا) يعكر الماء الصافي للدولة والمجتمع ليصطاد فيه الخبيث دون الطيب.

(الثبات) على المبدأ قوة سلاحها الحزم، والحزم سلاح بيدك تتحكم به فلا يجرك للجور، بينما (العناد) على المبدأ قوة سلاحها الغضب، والغضب سلاح فتاك لكنه يتحكم بك ولا تتحكم به فيقودك للجور رغماً عنك.

(الثبات) على المبدأ بطولة (دولة) لها قائد، بينما (العناد) بطولة (قائد) ضيّع الدولة، والأمثلة لن تخطئها الذاكرة حتى ولو وصفنا (صدام حسين) بالشجاعة.

(الثبات) على المبدأ روح ملكية سامية في سبيل الشعب والوطن، أما (العناد) فنفس أمَّارة في سبيل (الأنا) والطوفان من بعدي.

المبادئ معان (مجردة) تتغير (أوصافها) بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد لكن (مقاصدها) ثابتة، وكل هذا يدركه (الثابت) على المبدأ لأنه بمستوى (السمو) الأصيل في هذه المبادئ، بينما (العنيد) لا يرى في المبادئ سوى نفسه وما فيها من (جمود) فالمبدأ عنده (جامد) كجمود عقله وطباعه، فيرتطم مع العالم والحياة باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد.

(الثبات) على المبدأ فروسية موقف وبيزرة تعرف أنواع الصقور ومواسم الصيد، أما (العناد) فعقدة نقص بيدها بندقية تشوي الصقر وتبرقع الرخمة!!

(الثبات) على المبدأ كبرياء الروح عن الزلات وأنفة الأحرار عن خصومة السوقة، أما (العناد) فتكبر أحمق يمد إزاره كفستان العروس في زحمة الناس ثم يصرخ كل ساعة بالويل والثبور على من يدوسه.

الدهماء تخلط بين (العنيد) مثل (صدام حسين) والثابت على المبدأ مثل (نيلسون مانديلا)، فالأول كان شجاعاً شجاعة (الثور) في حلبة إسبانية، فرغم كل النصال المغروزة على ظهره لم يرعوِ حتى حتفه؟! أما الثاني فكان (ثابتاً) على مبدئه سامياً في خصومته في سبيل (الدولة) وما فيها من شعب مهما اختلفت ألوانهم وعقائدهم.

وأخيراً... (العنيد) عبد ولو غطى نفسه بالألقاب والأوسمة وتحدى أمريكا وطارد شعبه (زنقه زنقه)، أما (الثابتون) على المبدأ فأحرار وملوك من أعز ملوك الأرض دون أن يجعلوا قبورهم قبابا ومزارات.