في تجربة مصورة طبق طبيب برمجة العقل اللاواعي، بالشعور بالألم الوهمي للشخص الخاضع للتجربة، إذ وضع لوحا تحت إبط هذا الشخص يعزل رؤيته ليده اليمنى، ووضع يدا بلاستيكية شبيهة بيده الحقيقية، تتدلى من أعلى الكتف اليمنى، وغطى أعلى اليد البلاستيكية بمنشفة كي تظهر له وكأنها يده الحقيقية، وبدأ الطبيب يوخز اليد البلاستيكية بالإبر ويسأله عن مدى شعوره بالألم. كانت الدقائق الأولى محدودة التأثير، وما إن استمر من 3 إلى 4 دقائق حتى بدأ الخاضع للتجربة يتألم تدريجيا، وظهرت أصابع يده الحقيقية تتحرك تفاعلا مع وخزه في اليد البلاستيكية، وأثناء غفلة هذا المغلوب على أمره، أخذ الطبيب مطرقة وضرب اليد الاصطناعية ضربة مفاجئة ليصرخ الشخص من شدة الألم قائلا: لقد شعرت بالألم فعليا وكأنك ضربت يدي الحقيقية.

هذا مثال مشابه لما يعرف بالأدلجة، إذ مثلا لو تابعنا زيارة أكبر رمز ديني لأحد الأديان الأكثر انتشارا حول العالم حينما وصل إلى مدينة عربية وكيف كانت الشوارع تغط بالمتجمهرين من المطار إلى مقر السكن، الذين سافروا خصيصا لرؤيته، وكيف الأمهات كن يصرخن طلبا منه أن يلقي قطرات من الماء المبارك، ليبارك أبناءهن ويبعد عنهم الشقاء، بينما مجموعة الشرطة التي ترافقه من المسلمين كانوا يرونه بالصورة الصافية لعقولهم تجاهه، فلا يرونه سوى عجوز، غير قادر حتى على صعود السلم بنفسه، ولا يرون لديه بركة ولا «بطيخ»، والسبب بسيط، أن أولئك المتجمهرين منذ ولادتهم وهم يسمعون آباءهم وأجدادهم يتحدثون عن أجداد هذا الرمز الديني ويظهرونه بصورة القديس، فاستقبلتها عقولهم اللاواعية ولم تعد للواعية فيهم أي رأي.

وهو ما كانت تمارسه التيارات الصحوية وما يغذيها من أحزاب تدميرية، إذ كانوا ينشرون مقاطع لهم وهم ينقلون جثمان الشهيد- بحسب تعبيرهم- ويتباشرون بأن رائحة المسك تفوح منه، وأنه استشهد مبتسما، وفي المقابل يصورون ثعابين تخرج من قبر أحد المغنين مثلا. هذه التفاصيل رغم صغرها فإنها تزرع في أدمغة النشء صورة مخيفة للحياة العامة ذات الجودة المتوازنة، فتجد شابا مراهقا انعزل عن المجتمع الذي صوروه على هيئة الفجور والبغي، وأن الانغلاق على النفس هو الحل للابتعاد عن هذه الشبهات بحسب تعبيرهم، فيكون فريسة سهلة لأدلجتهم.

وعلى مستوى الحياة العامة نجد شابا في مقتبل عمره، أخذ تمويلا عقاريا ليلتزم بسداده على مدى الـ30 عاما المقبلة، بينما مالك العقار الحقيقي هو البنك، وإن تساءلنا بصفاء ما الذي دفعه لذلك؟ سنجد أنه تمت أدلجته بأنه لن يستطيع العيش إلا في قصر «سيّاح نيّاح» به غرف وصالات وملاحق وغير ملاحق تكفي لعشرات الأشخاص، ولا يسكنه إلا أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، وإن شاهد نفسه بصفاء، سيجد أنه انقاد لفكرة سعادة وهمية تمت برمجتها في دماغه مثلما تمت برمجة الشعور بذلك الألم في رأس ذلك الشخص الذي صرخ: «يدي البلاستيكية تؤلمني».