بنهاية كل عام مالي، وقبل انطلاقة عام مالي جديد يتم طرح ميزانية الدولة، التي تعكس عدة مستهدفات ومؤشرات اقتصادية ومالية وتنموية، وذلك من خلال إعلان التقديرات والتوقعات السنوية، التي تتضمن جانبين رئيسيين، من الإيرادات والنفقات وإجمالي الناتج المحلي، وما هو حجم العجز، أو الفائض، وذلك بكل شفافية ووضوح، مع الأخذ في الاعتبار المتغيرات والتقلبات الإقليمية والدولية.

وبحمد الله وتوفيقه، فقد أقر مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وتشريف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- الميزانية العامة للدولة للعام المالي 1444/ 1445 (2023)، وذلك بإيرادات تقدر بألف ومائة وثلاثين مليار ريال، ومصروفات بألف ومائة وأربعة عشر مليار ريال؛ ليبلغ بذلك الفائض نحو ستة عشر مليار ريال.

وبذلك فقد واصلت ميزانية الدولة للعام الثاني على التوالي، تحقيق فائض مقدر، وهذا بفضل من الله يدل على النجاح الذي حققته الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي طبقتها الدولة، والتي أدت بدورها إلى تقوية المركز الاقتصادي بغية تحقيق الاستدامة المالية، التي تستهدف اقتصادًا مزدهرًا ومجتمعًا حيويًا، نحو وطن طموح، مما يؤكد مضي المملكة نحو إنجاز أبرز مستهدفات برنامج التوازن المالي والاستدامة المالية الذي يعد أحد أبرز برامج خطة الإصلاح الاقتصادي لـ«رؤية 2030».

لقد أظهرت الميزانية أن التحول الاقتصادي الذي تتبناه الحكومة يسير على نهج سليم نحو تحقيق غاياتها، ويعتمد في التعامل مع المستجدات بطريقة إستراتيجية واقعية، وتعمل في حدود الإمكانات المتاحة، وبفضل من الله فإن كل المؤشرات تؤكد نجاح حزمة الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي نفذتها الدولة، لتعزيز النمو الاقتصادي، وتقوية المركز المالي ضمانًا للاستدامة المالية، مما يضمن -بمشيئة الله تعالى- استمرارية الإنفاق على المشاريع الرأسمالية وفق الإستراتيجيات المناطقية والقطاعية.

ويأتي ذلك وفقًا لما أشار إليه سمو ولي العهد عقب إقرار الميزانية؛ ليؤكد حرص الدولة على تنفيذ البرامج والمشاريع ذات العائد الاقتصادي والاجتماعي المجدي، إضافة إلى تعزيز التنوع الاقتصادي وتمكين القطاع الخاص، حيث تسير الدولة بخطى متسارعة نحو تحسين بيئة الأعمال، وتذليل المعوقات التي تعمل على إبطاء نمو القطاع الخاص.

وقد أشارت التوقعات إلى أن يكون الناتج المحلي الإسمي نحو 3.97 تريليونات ريال بنهاية العام الجاري، مع وصوله إلى 3.87 تريليونات ريال في 2023، ثم بين 3.9 و4 تريليونات ريال في عام 2024، وذلك وفقًا لما أشار إليه وزير المالية عقب إقرار الميزانية، الذي ذكر عدة مؤشرات مهمة جدًا، أولها نجاح السياسات المالية التي طبقتها الدولة والتي تستمر في تطبيقها، بجانب الدور المهم للإصلاحات الهيكلية، وقيام الدولة بتنفيذ عدد من المبادرات التي تساعد في تعزيز دور القطاع الخاص، بجانب استقطاب الاستثمارات الأجنبية التي ستعمل دعم الإيرادات العامة للدولة، وذلك على الرغم من التحفظ الذي أبداه الوزير في تقدير الإيرادات بسبب ما يشهده العالم من اضطرابات وتغيرات كثيرة.

وعلى الرغم من هذه التحفظات التي تأخذ في الاعتبار عدم الاستقرار الاقتصادي على الصعيدين الإقليمي والعالمي، لكن هناك توقعات قوية بنمو الاقتصاد السعودي بنسبة %3.1 مدعومًا بالأنشطة النفطية، مع توقعات بنمو %5.7 في 2024 و%4.5 في 2025، وفقًا لأحدث الإحصائيات في هذه الصدد، وذلك نسبة إلى القاعدة المالية القوية التي يتمتع بها اقتصاد المملكة، والذي عززه ارتفاع الإيرادات مع ارتفاع أسعار النفط خلال العام الحالي، بجانب الطفرة الكبيرة في الإيرادات غير النفطية.

إن نجاح الحكومة -بفضل الله تعالى- في تنفيذ الكثير من المبادرات والإصلاحات الهيكلية، والتحول الاقتصادي والتنوع، كل ذلك يصب في اتجاه تمهيد الطريق نحو إشراك القطاع الخاص في رحلة التحول، والاستفادة من النمو الاقتصادي، سيما وأن سمو ولي العهد قد أشار عقب إقرار الميزانية إلى أن المبادرات الرئيسة التي تعمل على تنفيذها الدولة سوف تسهم في تعزيز دور القطاع الخاص، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية ذات النوعية المجدية، فضلاً عن حديث وزير المالية في ذات السياق، وتأكيده بالسعي نحو تمكين القطاع الخاص من قيادة النمو الاقتصادي على المدى المتوسط.

إلى جانب ذلك، هناك عدة ممكنات يستطيع القطاع الخاص أن يثبت فيها قدرته ويعزز دوره، منها الإستراتيجية الوطنية للاستثمار التي تعمل على نمو الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادره وزيادة إسهام القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى %65، وكذلك زيادة نسبة الصادرات غير النفطية من 16 إلى %50 من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، فضلاً عن العمل على تخفيض معدل البطالة إلى %7، من خلال إسهام القطاع الخاص في توليد وظائف جديدة لتوظيف كوادر الوطن.

لذلك أقترح أن تبادر منظومة القطاع الخاص، بكل مكوناتها بتنظيم عدة منابر وورش عمل متخصصة تبحث من خلالها كيفية استفادة المنظومة، بصورة مثلى من النمو الاقتصادي، وتحويل المبادرات التي طرحتها الحكومة، إلى مشاريع أعمال، تفيد الوطن والمواطن، وتصب نحو دور أكثر فاعلية لمنظومة القطاع الخاص بأمر الله تعالى.