رياضة المشي من العادات المفيدة للناس صحيًا بمختلف أعمارهم، يقطفون ثمارها مع اختيار الوقت والمكان المناسبين، والانطلاق من اليسار عكس عقارب الساعة إسوة بحركة الكون، الطواف، الكواكب، النجوم، المجرات، الإعصار، الإلكترون حول النواة، الدورة الدموية وغيرها.

وللمشي آداب وطقوس، يجب مراعاتها منذ الخطوة الأولى، ولابد من ضبط الانفعال وتقييد دهشة مواقف متغيرة تظهر لي في رحلتي اليومية، ومنها مشاهدتي أشخاصًا يفترشون أفضل مواقع الجلوس في أماكن التنزه، لكنهم في غيبوبة مع هواتفهم النقالة وعوالمهم الافتراضية، وكأن الأجواء الجميلة والاستمتاع بالطبيعة لا تعني لهم شيئًا.

وكم تمنيت أن تسارع بي الخطوات إلى مسؤولي الرقابة لأطالبهم بسرعة مجازاة من يتعمد التشوه البصري وترك بقايا الطعام على جوانب جدران الممشى أو المدخنين بشراهة من المتسكعين، وإيقاف عبث عشرات العمال بمياه الحدائق المجاورة الذين يتقاسمون الساحات والمواقف لتنظيف السيارات.

في رحلة المشي استوقفتني أسئلة صامتة تتدلى من لوحات الإعلانات المنتصبة في بعض الأماكن.. لماذا الصور لعارضين من أوروبا وآسيا يسوقون لبضائع وأزياء وأدوات تباع في أسواقنا؟، أليس من واجب الشركات والمؤسسات الوطنية المستوردة أن تمنح الفرص في حقل الدعاية والإعلان لعارضين وعارضات سعوديين؟، لماذا لا يتم التعاقد مع فنانين تشكيليين ومصورين ومصممين ورسامين وكتاب وشعراء ومخرجين من أبناء وبنات الوطن لتلك الأعمال ببصمة سعودية خالصة؟.

ووسط حالة من الأخذ والرد قادتني الخطوات فجأة والوقت يمضي إلى ( سوق الثلاثاء الشعبي) لأستمع بالصدفة وأنا اقف أمام مدخل السوق إلى حوار قصير متشنج بين صديقين التقيا بعد أن باعدت الأيام بينهما، وكل واحد يرمي على الآخر تذمره من الحياة رغم المستوى المعيشي الجيد، وافترقا دون أن يطمئن أحدهما على الآخر عدا سؤال صادم غبي ومحزن.. أينك ما عاد شفناك على تويتر؟، وهنا قفزت إلى ذهني صور من لقاءات الآباء والأجداد في الماضي القريب، كيف كانت «الردود» الموجزة يفوح منها صدق المشاعر والاطمئنان على الأهل والأصدقاء، وأخبار الغيث ومواسم الحصاد، وتُختتم بالحمد لله والدعوات والأمنيات الصادقة والتفاؤل.

حين قررت مغادرة السوق مسرعًا فليس فيه ما يُبهج، حتى لو عاتبني نبض أبها الصديق «بندر آل مفرح»، فأغلب البائعين غير سعوديين، وأكثر البضائع ليس لها علاقة بالتراث، ولا منتوجات المهن والحرف العسيرية المعروفة إلا ما ندر.

وتذكرت أمنيته المقرونة بسؤالين يرددهما دائمًا.. متى يفتح الله على السوق بمستثمر جيد يُعيد تصميمه كما كان قبل أكثر من نصف قرن بدلاً من وضعه الحالي؟، وهل سيتم منع غير السعوديين رجالاً ونساءً من البيع داخل سوق الثلاثاء الشعبي مهما كانت المبررات؟.

في طريقي للعودة اعترضتني مشاهد لكُسالى المشائين، ومواقف عابرة تتكرر كل يوم بعفويتها وفصولها على مسرح الحياة.

ستبقى رحلة المشي مضادات حيوية طبيعية سريعة المفعول أجمع على فوائدها الأطباء، إضافة إلى الحوار الصادق داخل نفوسنا لترميم ما هدمته الأيام واستعادة ذكريات وتفريغ الطاقات السلبية والهموم، عليكم بالمشي كل يوم فإنه رياضة الأولين والآخرين، وهو المحفز لهرمون السعادة (الإندورفين).