الإفراط في تجميع المعلومات أو تحليل كل شيء قد يؤدي إلى عدم إنجاز أي شيء تقريبًا. نعم إن امتلاك المعلومات يعتبر ثروة، واليوم بفضل التكنولوجيا الرقمية الحديثة تكاثرت مصادر المعلومات ومعها الخيارات المتاحة عند اتخاذ القرار، ولكن الإفراط في أي شيء ليس جيدًا، فمن السهل أن تخدع نفسك بالاعتقاد بأن الحصول على مزيد من المعلومات سيؤدي أيضًا إلى اتخاذ القرار السليم.

هل سبق لك أن قضيت وقتًا طويلاً في محاولة حل مشكلة ما حتى انتهى بك الأمر إلى الدخول في دوامات بلا نهاية؟ ماذا عن محاولات اتخاذ القرارات الهامة، هل تجد أنك نشط عند البحث عن المعلومات وتحليل البيانات ولكن عند اتخاذ القرار تتجمد! هل لاحظت أنه كثيرا ما ضيعت الكثير من الفرص التي كانت تتطلب التصرف في الوقت المحدد؟ في الواقع لا أحد يريد اتخاذ القرار الخاطئ، ومع ذلك، فإن التأخر في اتخاذ القرار يمكن أن يكون له تأثير سلبي كبير على جميع جوانب حياة الفرد - من العلاقات الشخصية إلى الحياة المهنية، بل قد يكون تأجيل اتخاذ القرارات المهمة أسوأ قرار على الإطلاق.

سوف أوضح الصورة بقصة مما قرأت من قصص الأطفال، وعادة ما نجد الكثير في مثل هذه القصص، لأننا لو درسنا ما وراءها من تاريخ وبيئة، سوف يتضح لنا أنها كتبت للكبار أولًا، تقول القصة إنه ذات مرة كانت القطة والثعلب يتنزهان في الغابة معًا، وخلال سيرهما كانا يلتقطان طعامهما؛ فأر ضال هنا، ودجاجة سمينة هناك، ويوما سار جدل بينهما، وكما يحدث عادة عندما يتجادل الرفاق، بدأ الحديث يتخذ منحى شخصيا! «أنت تعتقد بأنك ذكي جدًا، أليس كذلك؟» قال الثعلب. «هل تتظاهر بأنك أكثر معرفة مني، وأنا من لديه الكثير من الحيل؟!» ردت القطة «أعترف بأنني أعرف خدعة واحدة فقط، لكن تلك الخدعة تساوي ألف خدعة مما لديك!» عندها سمعا على مقربة منهما صوت بوق الصيادين وعوي مجموعة من كلاب الصيد، وفي لحظة قفزت القطة إلى أعلى الشجرة، مختبئة بين الأغصان، «هذه حيلتي» قالت القطة. «الآن دعني أرى ما لديك»، كان لدى الثعلب الكثير من خطط الهروب ولم يتمكن من تحديد أي منها سيحاول أولًا؛ اتخاذ طرق متعرجة، الهروب بأقصى سرعة، الدخول إلى الجحور، ولكن كل ذلك كان بلا جدوى، أمسكت به كلاب الصيد وانتهى أمر الثعلب المتفاخر وجميع حيله!

مع وجود الكثير من المعلومات في متناول أيدينا، يجب أن تكون عملية اتخاذ القرار واضحة ومباشرة، أليس كذلك؟ لسوء الحظ، كلا! إن الوصول إلى معلومات غير محدودة لا يمكّننا بالضرورة من اتخاذ خيارات أفضل؛ بدلاً من ذلك، يمكن أن يجعلنا نخاف من اتخاذ قرار خاطئ. طبيعة الإنسان أن يشعر بالقلق عندما تتاح أمامه الكثير من الخيارات، الذي يحدث هو ما يطلق عليه المختصون «شلل التحليل»؛ عدو الإنتاجية، وذلك عندما يؤدي الإفراط في التفكير في الاحتمالات إلى التردد، فمع وجود العديد من الخيارات، يمكن أن يشعر الشخص كما لو أن كل خيار هو خطأ محتمل، والخوف من اتخاذ قرار خاطئ يمنعه من اتخاذ أي إجراء على الإطلاق!

في عام 2000م، درس اثنان من علماء النفس كيف يمكن للاختيار أن يشل المستهلكين، تم عرض طاولة عليها 24 صنفًا من المربى، ومنح عملاء السوبر ماركت خيار تذوقها مجانًا وشراء ما يفضلونه، وفي اليوم التالي، كُرِّر ذلك ولكن تم عرض ستة أصناف فقط، وكانت النتيجة أن نسبة شراء المربى من طاولة الـ6 خيارات كانت أكثر بعشر مرات من الطاولة ذات الأربعة والعشرين خيارًا؛ بمعنى أنه في حين أن الخيارات قد تبدو جذابة في البداية، فإن الحمل الزائد للاختيار يؤدي إلى نتائج سلبية، لقد كان لدى العملاء العديد من الخيارات لدرجة أنهم لم يتمكنوا من اتخاذ قرار بشأن «برطمان» مربى صغير.

المغزى مما سبق أن الحياة عبارة عن سلسلة مستمرة من الاختيارات التي تحدد الهوية، وكثيرا مستقبل المرء، لهذا السبب، خاصة عند اتخاذ القرارات الحاسمة مثل ترك الدراسة أو الوظيفة أو البحث عن عمل، أو فك الخطبة أو الطلاق أو الارتباط أو الزواج، أو المشاركة في مسابقة رسمية أو السفر للدراسة في الخارج.. إلخ، فإن ثقل الاختيار يتضخم أمامنا أكثر من اللازم، وقد يصيبنا بالشلل إذا أعطينا أنفسنا الكثير من الخيارات، خاصة إذا ما جعلتنا هذه الخيارات نقضي جل الوقت في مناقشة الأشياء التي قد لا تهمنا، بل هي خارج دائرة التأثير على الموضوع.

الآن كيف نتخطى كل ذلك؟ ابدأ بتحديد موعد لاتخاذ القرار، سيساعدك ذلك على تجنب المشتتات في الحفاظ على تركيزك وتوفير الوقت، ضع حدودًا مقصودة تقلل من خلالها الخيارات، وبذلك يقل التفكير بشكل يجعله أكثر وضوحاً بالتركيز على ما هو مهم بالنسبة لك، بمعنى درب عقلك على التركيز على أكثر الأمور أهمية ثم تجاهل الباقي، لكن لا تنسى أن تبقى عينا على العواقب ولا تهملها، المهم أن تتحرك ولا تتجمد، واعلم أن الأشخاص الناجحين عادة ما يبدأون قبل أن يصبحوا مستعدين ويكتشفون ذلك أثناء المضي قدمًا، من الطبيعي أن تشعر أنك غير متأكد، وغير مستعد، وغير مؤهل، لكن كل التخطيط والبحث والتأخير والمراجعة في العالم لن يجعل القرار أسهل.

تذكر بأنه مهما كان المستقبل غير مضمون أو حتى مرعبًا، لا بد وأن نسير فيه، فلا يمكنك تأجيل الغد من أن يأتي، ولا يمكنك منع التغيير من الحدوث، ولكن يمكنك التحكم في ماهية هذا التغيير، من خلال التحرك واتخاذ القرارات السليمة.