قبل بضعة أسابيع كان (سام بانكمان) أحد الأساطير الأمريكية في العملات المشفرة، حيث تربى على أيدي اثنين من أساتذة القانون في جامعة ستانفورد، وذهب إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

في عام 2017، أسس شركة (المادا للأبحاث)، وهو في عمر 25 عامًا فقط، وحقق الملايين من خلال التداول على فرق سعر البيتكوين بين آسيا والولايات المتحدة، وبعد عامين أطلق منصة FTX التي أصبحت أكبر ثالث منصة عالمية للعملات المشفرة، بقيمة 32 مليار دولار. ومع كل هذا التصاعد في نشاط FTX عالميا، ومع ارتفاع معدلات التداول اليومية بهذه المنصة حتى وصلت إلى 10 مليارات دولار يوميًا، تضاعفت ثروة بانكمان حتى بلغت 25 مليار دولار صنعها بنفسه في بضع سنوات.

وفي أحداث دراماتيكية متتالية، بدأت في الثاني من نوفمبر 2022 بإعلان عن وثائق مسربة عن امتلاك شركة (الميدا للابحاث) لأصول تقدر بمليارات الدولارات من عملة FTT (العملة المستخدمة في التداول على منصة FTX)، بدأ يظهر التلاعب الكبير، بانكمان استخدم أموال المستثمرين بالمنصة، لدعم شركته (الميدا للأبحاث) في القروض التي تحتاجها للتوسع والاستثمارات، ودون أي قيود أو محاسبة، وبعد هذه التسريبات، قام المنافس الرئيس لمنصة FTX وهي منصة بايننس، بعمليات تخارج كبيرة من عملة FTT، ما أدى إلى هلع كبير وموجة بيع عالية. فخلال الثلاثة أيام اللاحقة، وصلت طلبات البيع وسحب الاصول من منصة FTX إلى 5 مليارات دولار، وهو رقم كبير جدًا خاصة إذا عرفنا أن المنصة المذكورة لا تملك تلك المبالغ فعليًا. وبعد محاولات عدة للاستدانة لإنقاذ المنصة المذكورة، أعلنت المنصة أخيرًا إفلاسها. هبطت ثروة بانكمان من 25 مليار دولار إلى مليار واحد فقط.


شخصيًا أعتقد أن هذه العاصفة (التشفيرية) سيكون لها العديد من الفوائد، ومنها سن قوانين، ووضع هياكل تنظيمية للعملات الرقمية قد تمنع هذا التلاعب بالمستقبل القريب. ومن أهم الدروس المستفادة للمستثمرين أيضًا، تنويع محافظهم الاستثمارية، وعدم الجري وراء إثراء من مصدر واحد، لأن نسبة المخاطرة تكون عالية جدًا.

يجب أن نتعلم أن السقوط السريع والمدوي لبانكمان، لم يكن بسبب غياب الذكاء (بل لايجب أن نشكك بعبقريته)، ولكن العامل الرئيس هو غياب الأخلاقيات، والطمع المبالغ فيه، وغياب الرقابة على المنصة، وفعلاً صدقوا حينما قالوا: (المال السايب يعلم السرقة).