صورة تعبيرية ساخرة، وتعليقات أغلبها مليئة بالاستهزاء والاستغراب، كانت هي ردود الأفعال التي أعقبت انتشار مقطع لأب شاب، يعد الحليب لابنه الرضيع الذي اصطحبه معه في مناسبة يبدو أنها عائلية.

المقطع انتشر (انتشار النار في هشيم) مواقع التواصل الاجتماعي، ناشرًا غسيل كثير من التفكير القذر في نظرته لرجل كانت كل «جريمته الاجتماعية» أنه (أب صالح) مارس دورًا فَصَّلَه المجتمع على مقاس المرأة/الأم، وجعله ضيقًا جدًا على الرجل، لحد الانتقاص من رجولته وكرامته !

الإساءة لهذا الشاب الخلوق، والأب الجدير بنعمة الأبوة، لم تقتصر على رجال فقط، بل إن كثيرًا من النساء تقاسمن سيناريوهات تعليقات الهزل والقدح والاستخفاف به مع الرجال، وهذا أمر غريب!

سابقًا كانت المرأة محجوزة خلف أبواب فكر مغلق وقوانين تمنعها من الاستمتاع بحقوق منحها الله لها، وحرمها منها المجتمع. كانت أفكارها وما ينتج عنها من تفاعل في الحياة، نابعة من ذلك التفكير، حتى تنال رضا المجتمع، وإن على حساب راحتها.

الآن مع التحولات المجتمعية، وما يصاحبها من متغيرات في كل اتجاهات الحياة، ومنها توسع مساحات عمل المرأة، أصبح لا بد من الوعي بضرورة اتساع التفكر وتقبل ما دور الرجل وما له وعليه، بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية، خاصة أن الرجل نفسه هو من بدأ هذا عندما أباح للمجتمع تقبل فكرة مشاركة المرأة له في الإنفاق على الأسرة وتدبير أمورها المالية، متجاوزًا نمط التفكير المجتمعي الذي حصر دور المرأة في «ربة منزل»، مهمتها تربية الأبناء والاعتناء بهم وبالزوج، وتدبير شؤون المنزل الداخلية فقط.. لتتحول شريكًا رئيسًا في الصرف على الأسرة «إضافة» للواجبات الملقاة على عاتقها، دون «إلغاء» شيء من واجباتها السابقة، أو إجبار الرجل على إضافة شيء لأدواره ليكون عونًا لها.

ما يجب أن ندركه - نساءً ورجالًا - أن مجتمعنا يتحول، وأن التغير الاجتماعي مهم جدًا لتسريع دوران عجلة التغيير العامة التي ستصل بنا - بعد توفيق الله - إلى بر آمن من كل مهددات الاستقرار التي نراها في أنحاء العالم، وأن مفهوم «سي السيد» و«الرجل المدلل» الذي لا يرضى أن يهز أحد عرش هدوئه وخصوصيته بعد عودته من عمله، أصبح (فكرًا) منتهي الصلاحي. لأن الحياة أصبحت مشاركة، نظرًا لامتزاج الواجبات والأدوار بين الرجال والنساء، وأن الرجل ذي الهيبة والرجولة، الجدير بالاحترام هو من يكون عونًا للمرأة، ميسرًا عليها الحياة، مشاركًا لها في كل أمور الحياة، خاصة ما يتعلق بالبيت والأسرة.

وبما أننا نتكلم عن المجتمع والأسرة والأدوار، بسبب المقطع المنتشر، فمن الطبيعي ألا أختم مقالي، قبل أن أعرج على عالم مواقع التواصل التي اتعبتنا كثيرًا.. وأصبحت مرآة السفه لكثير ممن حمل هاتفًا ذكيًا حشر داخل ذاكرته عشرات من مواقع وبرامج تهدم أسوار الخصوصية، لينتشر عفن فكر وتربية تؤذي أكثر مما تنفع.

متى نجد حلًا لكل هذا الهراء الذي تخنقنا به عوادم أخلاق سكان «السوشال ميديا»، فتلوث سماء الأخلاق السامية، والخصوصية المطلوبة لانفتاح إيجابي، ومجتمع سليم..

مواقع تواصل تبني أكثر مما تهدم، وطبعًا هذا لا يعني أن المجتمعات البشرية أو الافتراضية ستكون مدنًا فاضلة بلا أخطاء وسلبيات.. لا نتوقع ذلك لأننا بشر والبشر خطاؤون.

ما ندعو به الله، أن تكون إيجابيات مواقع التواصل أكثر من سلبياتها.. أن تزيل الأخلاق النبيلة حموضة ما، تصادفنا، لفساد محتوى تقشعر منه أبداننا، وتدفعنا لرفع أصواتنا:

آفاااااا على من صوَّر مناسبة عائلية ونشر.

آفاااااا على من تبجح بالتعليقات وأساء الأدب.

آفااااا على من - بمحدودية فكره - قلب تصرف الرجل الإيجابي إلى سلبي.

وآفاااا على من انتقص من (رجولة) زوج كل ذنبه أنه تحمل المسؤولية واعتنى بطفله، لغياب الأم الذي نجهل أسبابه، وإن أردتم الحق، لا تعنينا أسباب غيابها، فبغض النظر عنها، تبقى رعاية الأطفال مسؤولية مشتركة بين الأبوين.

تحية لكل رجل ولأجل مجتمع قوي وسليم، وضع مصلحة أسرته وتقديم العون لزوجته، فوق كل اعتبار.