هل الإعلامي (يقرض) الثقافة على هامش عمله وهي على وزن (فلان طبيب ويقرض الشعر) كصفة هامشية للزينة وليست أصيلة، وهنا يكفي القارئ أن يتأمل معنى (مثقف) ليكتشف كم أنها كلمة تختزل بداخلها معنى (النقد) والذي يعجز بعض (النخبة) عن رؤيته بالمعنى الاصطلاحي للكلمة (القدرة على فرز العملة المزيفة عن الحقيقية) وأن لا علاقة لهذا المفهوم (الموضوعي المحايد) بمعنى (الهجاء) وما فيه من تجني أو بهتان>

ولأن الأمر مختلط إلى هذا الحد، نجد كثير من إطروحات بعض المثقفين تخلط ما بين مهمة (المثقف) ومهمة (الإعلامي)، فالإعلامي (ناقل خبر) والمثقف قد يكون في أحد ممكناته (نقد لهذا الخبر) ليكشف الانحياز الحاصل مثلاً بين استخدام كلمة (شهيد) وكلمة (قتيل) في الأخبار العربية، أو يكشف عن خطر التنمية التي تتكئ على (ما يبهر) أكثر من إتكاءها على (ما ينفع) إن على مستوى الديمومة أو التكلفة، ولهذا أشار ولي العهد السعودي مثلاً في أحد أحاديثه للفرق الذي وجده في النفقات الهائلة لقاعدة عسكرية سعودية أرضيتها من الرخام، مقابل النفقات العادية في إنشاء قاعدة أمريكية.

نعود لإشكال (المثقف) مع الإعلام العربي، فمع اضطراب الهوية نتيجة (الخوف) قد يختبئ المثقف في جبة الإعلامي، ولأن الإعلامي ملعبه أوسع فإنه يسمح للمثقف بالاختباء (من غير هدوم/ملابس) لأن الإعلامي في هذه الظروف سيلبس ثوب المثقف، وعندها لن ترى سوى (أحمد سعيد) أو (سعيد الصحاف) يتوزعون على المشهد العربي بصفتهم خبراء في (السياسة، الاقتصاد، الإستراتيجية، التنمية، الاجتماع، النفس.. الخ) ومن حق أي أحد أن يتسائل: هل يعجز الإعلامي أن يكون مثقفًا؟ في فضاء الحرية لا يسع الإعلامي الحقيقي إلا أن يكون مثقفًا بالمعنى المشار له في أول المقال (صاحب ملكة نقدية)، وفي غرفة الحرية الضيقة لا يسع الإعلامي إلا أن يكون مثقفًا بالمعنى الشعبوي يراوح ما بين (مدح أو هجاء)، في استعادة لدور شاعر القبيلة العربية الذي ينحصر دوره في مدح قبيلته فقط وصولاً عند الضرورة الاجتماعية أن يهجو القبائل الأخرى!!.

الإعلامي ليس في خصومة مع (المثقف) فالإعلامي (المطبوع) مثقف أصيل قبل أن يكون إعلامي، بينما الإعلامي (المصنوع) ليس بالضرورة أن يكون مثقفًا لكن من الضروري أن يكون (بيداغوجي/ دهمائي شعبوي) يتقن فنون (السوفسطائية) بالمعنى السلبي.

هل الإعلام حر؟ في كل العالم لا يوجد حرية مطلقة، لكن يوجد فرق ما بين إمكانات طائرة (درونز) في تغطية مجال جوي بالصور عن إمكانات (قمر صناعي)، فطائرة الدرونز معلوماتها صغيرة وإدارة المعلومات الصغيرة ينتج (إعلامًا صغيرًا محليًا) والقمر الصناعي معلوماته واسعة من تحديد المواقع والرصد إلى تحديد المناخ وحركة الضغط الجوي، وإدارة المعلومات الكبيرة ينتج (إعلامًا كبيرًا عالميًا)، والمفارقة هنا أن مصادر معلومات مواطن عربي يتقن اللغة الإنجليزية في هذا الزمن سيكون أوسع وأسرع مما كان يطرح على طاولة جمال عبدالناصر كموجز استخباري عن العالم في خمسينيات القرن الماضي، فكيف لإعلام يدار بعقل قديم أن يقنع هذا المواطن بمتابعته، وتبقى (إدارة المعلومات) فن حديث وخطير مرتبط بعلم لا يعترف به بعض العالم العربي يسمى (علم المستقبليات).

هل هناك ارتباط بين (الثقافة والإعلام)؟ إن كان يقصد بالثقافة (البناء الفلكلوري للمجتمع) فنعم هناك إعلام (ثقافة منغلقة أو منفتحة)، وإن كان يقصد بالثقافة (مجمل النشاط الفكري والبدني لذوي المواهب والملكات في جميع المجالات) فإن الإعلام يعطيها معنى (الفاعلية) للموهبة ذاتها، وللموهوبين الشباب أقول: إن كنت صاحب موهبة حقيقية في أي مجال فاحذر من الإعلام (إذا انشغل بشخصك عن موهبتك)، وتذكر أن رجلاً وافر الموهبة في مجالات متعددة ومنها التعامل مع الإعلام مثل (غازي القصيبي) يقول: (عندما بدأ التركيز الإعلامي يتحول من عمل الوزير إلى شخصه، كما حدث أيام وزارة الصحة بدأ السحر ينقلب على الساحر) فمهما كانت براعتك أيها (الموهوب) فإن لكل جواد كبوة مع الإعلام بعضها خدوش وبعضها يدق العنق حتى في موهبة مرتبطة بحركة الأقدام كلاعب (كرة القدم).