بين فترة وأخرى يطلب نظاما ios والأندرويد من مستخدمهما تحديث لآخر نسخ الإصدار وتطوير تطبيقاته، كإجراء يتزامن مع آخر إصدارات الجهاز الرئيسي. هذه الآلية التقنية لا تنطبق على الأجهزة فقط، بل يبدو أنها انتقلت - تأثرًا - لفئة من البشر اتخذت النهج نفسه، في تعاطيها مع مشكلات المجتمع، وباتت تعتمدها في تعاملها مع كل تطور وتقدم يحدث في المجتمع، باعتباره منصتهم المحتكرة وما هم إلا أدواتهم الفاعلة التي يحق لها ولا يحق لسواها أن تصدر لوائح التعليمات والانضباط، وتفرض قوانينها وصاية على أفراد المجتمع كلما تقدموا خطوة نحو الأمام.

أسوأ النسخ تلك التي تتنقل في المجتمع كرقيب يركض في كل مكان، يراقب كل جديد ويكون الحاضر الأول فيه، ليعود بعده ممتعضًا من الجديد، ويبدأ في تصدير نسخ من وصايته على أفراد المجتمع.

وكما هي التقنية بجمودها فيما يخص الحس والمشاعر الإنسانية، هم كذلك يتناولون اللقطة والدهشة بإحساس الجماد والتقنية والآلة التي لا تجيد سوى إصدار اللوائح والتنظيمات كوصاية على البشر، وتستكثر على نفسها السعادة وتستعيذ منها كأنها الشيطان الرجيم.

هذه النسخة مع بالغ الأسف موجودة في كل مكان، كلما تطور المجتمع تتطور أساليبها الوصائية، ويتأصل دورها بين الناس كمستشارة وخبيرة في إدارة أمور حياتهم.

هذا الإصدار البشري ليس الوحيد الموجود في (منصة) المجتمع، بل باعتماده وسيلة إقصاء، ظهرت أيضًا العديد من النسخ التي تمارس الوصاية نفسها بمنتهى (التبجح)، امتدادًا للأيدولوجيا نفسها التي كانت تقصي النساء أو الرجال بمنعهم من دخول بعض المحلات وتخصيصها، وفقًا لنزعة سلطوية لا تراعي حرية الفرد ، ولا تؤمن بأحقية وجود خيارات للناس في الحياة، ثم يأتي عنصر التناقض لتكتمل الدائرة الكهربائية في هذه الشريحة من البشر، وتنتقل من الوصاية إلى المقارنة مع المجتمعات في دول أخرى، والتي - كالعادة - يركضون ويتسابقون نحوها لإصدار نسخ من القيم المختصة. نسخة يعملون بها بأريحية داخل الدول التي يصفونها بـ (كافرة)، وقيم أخرى محلية تصدر بسخط تحت شعار قيم خاصة لبلاد الحرمين.

العديد من القصص المؤسفة، نضطر لسماعها وتجاوزها ببث بصيص أمل من الوعي والرجاء بانتهائها، كان آخرها المطالبة بخروج المسنين أو (الشيبان) - كما وصفتهم إحدى النساء - من المقاهي، لأن جلوسهم في المقاهي يعتبر شيئًا معيبًا ولا يصح!

وثانية تطالب بعدم دخول الرجال لمحلات بيع ملابس النساء، وثالث يدعو لعدم دخول النساء للمقاهي وعدم خروجهن من المنزل أساسًا.

حالة جدلية من الوصاية لا تتواءم مع مجتمع يسعى للتقدم دون أن يجر معه مخلفات الماضي، الماضي الذي كان ينشر الفتنة بالمعروف دون أن يدرك.

لا شك أننا نعيش مرحلة انتقالية لمستقبل مشرق وأفضل، وبعض النسخ البشرية المتصدرة قائمة الوصاية على البشر مازالت تعاني من عدم تقبل هذه الصدمة الحضارية التي نعيشها في الوقت الحاضر، ما يؤكد ضرورة وأهمية وجود علاج ناجع لحالتها بشكل قطعي، على هيئة قانون يضبط هذه الانتهاكات بما يتناسب مع البرمجة الصحية لحياة المجتمع، وبما يسمح لجميع أفراده بألوانهم وأجناسهم وأعمارهم وطبقاتهم وطوائفهم بالتعايش في وطنهم الذي لفظ التشدد والتطرف، ورفع عاليًا قيم التسامح الاعتدال، وطن يتنعمون باستقراره وجودة الحياة فيه دون وصاية وإقصاء.