نشط، قبل فترة، حراك قانوني، في وسائل التواصل الاجتماعي، صاحبته فعاليات وبرامج ومبادرات، سعدنا بها جميعا، لكن وبكل أسف تبددت هذه السعادة في أوجها بظهور اغراض خفية لهذا الحراك، غرضًا تلو الآخر!

فقد تصدّرت «المصالح الشخصية والمخالفات» تلك الأغراض. وكانت فاجعة أن نرى أشخاصًا يوصفون خلال الحراك بأنهم فقهاء في القانون، وآخرون يوصفون بأنهم علماء فيه، دون أن يكونوا حاصلين على مؤهلٍ في القانون!

أما الفاجعة الأكبر فقد حدثت حين تبيّن أن من يقود الحراك أشخاص إما مخالفون لصحيح القانون أو ممن مارسوا أو لا زالوا يمارسون أعمالا يجرّمها القانون، بل إن البعض وصل به الأمر إلى حد انتهاك القانون والترويج لإضعافه والنيل منه، وخلق صورة ذهنية سلبية عنه لدى أفراد المجتمع، وعده بأنه من فعل الطواغيت، وأن من يعمل به كافر وأن النظر والتعامل وفق «الواقع العملي»، هو أهم وأجدر من التعامل وفق نصوص القانون وسيادته، والطامّة أن في ذلك كله دعوة خفية لنشر الفساد وعدم الالتزام بالقوانين، ومخالفة صريحة لإرادة المُنظم بإرساء النصوص القانونية وتطبيقها في جميع التعاملات.

ومن الوسائل الظاهرة في ذلك الحراك، لتحقيق غايات تلك الأغراض فيه، ما سُمّي بـ«المبادرات القانونية»، وهي مبادرات جانبها الحياد، وغابت عنها الشفافية، وقاد زمامها ثُلّة من غير المؤهلين، وأخفيت فيها مؤهلات وخبرات الشركاء والضيوف والمتحدثين بالشأن القانوني، وغُيّبت فيها المعلومة والمصدر الصحيح لها، وجُمِع فيها المتابعون من العامة والذين هم بحاجة القانون، وفي المقابل تكدّس فيها المخالفون للمهنة وللقانون والذين هم بحاجة من يجهله، بينما لم يحضرها سوى القليل من أصحاب الاختصاص الذين كان أغلبهم للأسف كالمُتفرّج على بيئةٍ أصبحت خصبة لتحقيق مصالح وغايات القائمين على تلك المبادرات.

وهنا، جاء استشعار الهيئة السعودية للمحامين لذلك الخطر بلفتة تصدّي سريعة، تُذكر وتُشكر، حيث أطلقت الهيئة حينها بودكاست 317 بهدف تصحيح المفاهيم والمناهج والسلوكيات لدى أفراد المجتمع القانوني، والذي أكدت فيه على الدور الحقيقي للقانون والمنتسبين له، وبيّنت أهمية المصدر الصحيح للمعلومة القانونية الصحيحة. والهيئة بهذا البودكاست أكدت مساعيها في إرساء حماية المهنة من أي ممارسات تمس سموها ومبادئها؛ ولهذا، يجب أن لا يكون هذا البودكاست مجرد لفتة يتيمة! بل يكون نواة لما يجب أن تكون عليه هيئة المجتمع القانوني في وسائل التواصل الاجتماعي شكلاً وموضوعاً.

ولأن هذا الدور يقع على عاتق الهيئة تجاه ما حدث وما زال يحدث، بات الأمر يتطلب وضع الإجراءات لضبط هذه الممارسات والتشديد للحد منها تماشياً مع تعميم وزارة العدل 13/ت/8561 في 26 ذو الحجة 1442 الذي أكّد على جميع المحامين بالتنسيق مع الهيئة في جميع الفعاليات والبرامج والمبادرات قبل إطلاقها.

وباعتبار الهيئة السعودية للمحامين، هي الجهة المسؤولة عن رفع مستوى ممارسة المحامين لمهنتهم وضمان حُسن أدائهم والعمل على زيادة وعيهم بواجباتهم المهنية، ولكونها الهيئة المرجعية والداعمة للممارس الموثوق والمهنة المُمكّنة، والجهة الضامنة نظامياً لكل ذلك، ولأهمية انعكاس الواقع على جميع الفعاليات الإلكترونية بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، وتأسيساً على ما تضمنه تعميم وزارة العدل المشار إليه؛ فإن ما يكفّ أيدي الدخلاء على المهنة والعابثين بها أو ذوي المصالح الشخصية وما يُزهق مخالفاتهم في مهدها، وبالأخص أولئك الذين يمارسون سلوكيات تتنافى مع القاعدة (38) من قواعد السلوك المهني للمحامين،هو أن تشترط الهيئة السعودية للمحامين، وبشكلٍ صريح وسريع، إلزام المنتسبين لعضوية الهيئة والمرخص لهم بالحصول على موافقتها على أي مبادرة قانونية تُقدم في وسائل التواصل الاجتماعي وفق ضوابط محددة، وأن لا يُعتد بغير المرخص منها، وتكون مخالفة، لتكون بذلك جميع المبادرات القانونية، بمسمياتها ومحتواها والقائمين عليها وضيوفهم، تحت نظر الرقابة فلا يصدر عنها - مُجملةً - إلا ما يتوافق مع القانون ولوائحه. ‏

@osaimiad