كثير من الأطروحات في النقد الأدبي والثقافي وقعت بشكل غير مباشر وغير واع في فخ نظريات المؤامرة التي تفترض وجود مؤامرة كونية من صنيع الرجل، وضحيتها الدائمة هي المرأة. وتوحي بوجود مؤامرة خيالية ضدها، مؤسسة على النوع (Gender-Based). والمؤمنون بهذه الأفكار ليسوا أقل سذاجة من المؤمنين بأي أنظمة فكرية مغلقة أخرى. وتحاول مثل هذه النظريات الخيالية، تقديم معظم التاريخ الثقافي والإنساني باعتباره قائما أساسا على صناعة المؤامرات ضد المرأة في كل مناحي الحياة.

اقتبس هنا كلام الدكتور عبدالله الغذامي من كتابه (المرأة واللغة) حين يقول: «هناك تاريخ قائم كتبه وصنعه الرجل أو لعله صنعه لأنه هو من تولى كتابة مسيرة وحوادث الزمان، فجاء هذا التاريخ رجلا لأنه من إنشاء الرجل». هنا نستطيع تبين هاجس المؤامرة الكونية التي يحيك خيوطها الذكور الأشرار في الخفاء، لاستلاب المرأة المسكينة التي تسعى من خلال سلاح القلم والكتابة لمقاومة هذه المؤامرة الذكورية المحيطة بها من كل جانب.

تقول مي زيادة كذلك، نقلا من كتاب الغذامي: «أسيادنا الرجال.. أقول أسيادنا، مراعاة بل تحفظا من أن ينقل حديثنا إليهم فيظنوا أن النساء يتآمرن عليهم». وكما يتضح في كثير من أفكار المتخصصين في النقد الأدبي والثقافي بالعالم العربي، حضور هاجس المؤامرة على الدوام، والإيمان بوجود أيد ذكورية خفية تمثل «حكومة ظل»، أو أعداء متربصين يسعون حثيثا للسيطرة على النساء في كل مجالات الحياة، السياسية والاقتصادية والأدبية والثقافية.

ينسب النقاد من خلال النظرية النسوية كل الأحداث الاجتماعية والسياسية لأفعال مجموعات مسيطرة وشريرة من الذكور، يملكون قوى خارقة ونفوذا خفيا يمكنهم من السيطرة حتى على أهم أداة ثقافية، وهي اللغة والكتابة. وبالتالي تصور النظرية النسوية الحياة وكأنها صراع تاريخي بين الذكور والإناث أو الذكورة والأنوثة، والمنظر لمثل هذه الأفكار التآمرية هم أحيانا ذكور، ولكن مثل هذه النظريات تجد صدى واسعا عند المجموعات المهمشة التي تشعر أنها الضحية. لذلك يلجأ كثير من النقاد لنظرية المؤامرة لأهداف شعبوية وديماغوجية.

ولا شك أن التعرض لنظريات المؤامرة ممثلة في النظرية النسوية يقلل الثقة بالنتاج الأدبي والفكري للشعوب بمختلف ثقافاتهم، كونها نتاج الذكور الأشرار، وأن الشعر والأدب ليس إلا أدوات هيمنة فحولية ثقافية في أيدي الذكور. وهنا يقدم الناقد نفسه باعتباره البطل المنقذ للكشف عن خيوط المؤامرة الفحولية في القصائد والأبيات الشعرية التي تستلب المرأة. يقول الغذامي: «والاستلاب هنا ذو بعد مزدوج، فالذكر لا يستلب الأنثى فحسب ولكنه هو نفسه يقع فريسة للاستلاب -أيضا- إذ يخضع للحس المتوحش في هذه الثقافة الفحولية، ويتمادى في استلاب المرأة لأنه يخاف من استلابها إياه إن لم يحافظ على سيطرته عليها».

نلاحظ كيف توغل الغذامي في نظرية المؤامرة، حتى أصبح كوكب الأرض ليس إلا حربا ثقافية طاحنة بين الذكور والإناث في سبيل السيطرة. فالعلاقة بين الجنسين لم تعد علاقة مودة ورحمة، بل صراع دائم مستمر، وكل جنس يسعى للهيمنة على الآخر، بما يملكه من أدوات ثقافية واجتماعية متاحة. وغالبا ما يلعب الخيال دورا هاما في نسج القصص البطولية في المعارك النضالية للمرأة الكاتبة، تجاه الشعراء وفحولتهم المستبدة.