أبشع أنواع الحكومات، هي التي تعمل على تغييب رأيها العام عما يدور من حوله. وأكثرها حماقة، تلك الحكومة التي تُسهم في استغلال غياب الذهنية الاجتماعية للشعب، لمصالح الآخرين. في ذلك كثير من دنو الأخلاق والفروسية والمروءة. وفي ذلك أيضاً ثمن بخس للحاكم مهما كان تاريخه وسلالته.

في سوريا الأمر كذلك. بعيداً عن الحرب وتوجيه سلاح الدولة إلى صدر الشعب الجريح، تنكشف نوايا النظام في دمشق، من ناحية اعتماده على وضع مقدرات ومكتسبات البلاد، على طبقٍ من ذهب، لمصالح أساسها مذهبي وطائفيٌ مقيت، على حساب الوطنية والتاريخ العريق للدولة وإرثها الحضاري، الذي ترى أسرة آل الأسد أنه حق وملك خاص لها دوناً عن السوريين أجمعين.

قبل شهرٍ ونيّف، راج في دمشق على نطاقٍ واسع مقولة أو شعار «الضاحية الجنوبية». ذلك كان نتيجة انتشار معلومات تفيد برغبة إيرانية تجد موافقة النظام السوري، لاستنساخ تجربة الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل ميليشيا حزب الله الإرهابية. تناقل السوريون تلك الأخبار، تارة للحسرة، وأخرى للتندر.

وبعيداً عن الشارع السوري المغلوب على أمره؛ فالذريعة الإيرانية مفهومة للجميع بحسب ما أرى، التي ترمي إلى حماية «المراقد الشيعية»، وهذا كذب في وضح النهار؛ فالهدف «توغل وتمدد». وبالمناسبة فحسب تلك الأبناء الواردة من داخل سوريا، فإن عمليات شراء مجموعات من الإيرانيين للأراضي قد وصلت مستوى غير مسبوق، لا سيما في منطقة السيدة زينب جنوب العاصمة «ذات الرمزية الشيعية الكبرى»، وصولاً إلى طريق مطار دمشق الدولي.

وحتى إن رأى العامة ذلك من باب تواطؤ نظام الأسد مع طهران، إلا أن ذلك يخفي وراءه كثيرا مما يجب الانتباه له. ما المقصود؟ أولاً: أن النظام الإيراني كان على مدى سنوات يعمل بالخفاء على تغيير التركيبة الديموغرافية السورية، من خلال شراء الأراضي والمنازل، إضافة إلى حملات التشيع مقابل «الدولار»، إلا أن تلك المعادلة تحولت، وبات يعمل على ذلك في العلن. وهذا لن يكون دون ضوء أخضر من قصر الشعب وسيده في دمشق.

ثانياً: تريد طهران منفذاً بحرياً يساعد على تمرير السلاح من سوريا وإلى لبنان، والعكس– وهذا يشكل خطر على المنطقة برمتها. ثالثاً: تسعى طهران لأن تضع لها موطئ قدم، لتقاسم الحصة السورية مع الدب الروسي، الذي في الغالب سيحصل على نصيب الأسد من حيث النفوذ على الأراضي السورية، ما إن وضعت الحرب أوزارها.

واللافت في الأمر الذي يبدو في شكله مريبا؛ الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى طهران مطلع الشهر الفائت. يقول المقداد في مؤتمر صحفي بعد اللقاء الذي جمعه بنظيره الإيراني، أن الوزيرين ناقشا «الأوضاع السياسية ذات الاهتمام المشترك، والتعاون بين البلدين من الناحية الاقتصادية، والسياحية». في حقيقة الأمر لم أستطع فهم شكل السياحة التي يقصدها البيان! ولم أفهم وجود مؤتمر ملتقى للاستثمار الإيراني– السوري شهدته دمشق الشهر الماضي أيضاً. ولم أستوعب الموافقة على إنشاء بنك إيراني – سوري، يهدف لتنمية التجارة الإيرانية في سوريا. أيُ تجارة.. الله أعلم.

المضحك المبكي في ذلك المؤتمر، أن الوزير السوري الذي عرف عنه دفاعه الدائم عن بشار الأسد وزمرة حكمه، عاد لرفع شعار تهريب مقاتلين إلى بلاده، وقد سمى الولايات المتحدة الأمريكية التي قال إنها عملت على تهريب المقاتلين «الأفغان» للأراضي السورية. ربما نسي أو تغافل المقداد، أنه إن آمنا بذلك القول– وأنا هنا لست مدافعاً عن أمريكا أو غيرها- فالأجدر القول إن الجمهورية الإيرانية قد استقطبت مئات الجنسيات من المقاتلين بمن فيهم «الأفغان» إلى بلاده، وذلك من باب إحقاق الحق لا أكثر ولا أقل.

ما يمكن استنتاجه من كل تلك التحركات، أن وراء الأكمة ما وراءها، في طهران ودمشق. وفكرة السيطرة على سوريا تشي بأن النظام الإيراني قد تجاوزها منذ سنوات، وذلك له عدة أسباب، أهمها، ارتهان نظام الأسد لتلك الدولة الفاشية، وعدم قدرته على الهروب أو خلع الرداء الإيراني، مثله مثل حسن نصر الله في لبنان، الذي حوّل الدولة عن بكرة أبيها إلى أحد الكروت التي تضعها إيران على الطاولة كجزء تابع لها وليست دولة ذات سيادة واستقلالية.

إن الصور البشعة التي تتصدر المشهد في عدد من دول العالم العربي الخاضعة برموزها للنظام الإيراني في طهران، صورٌ بائسة، الضحية فيها أولاً وأخيراً هو الإنسان المغلوب على أمره، الذي وقع بين يدي مجرمين يدعون العمل في السياسة من أجل الصالح العام، وهم في نهاية الأمر مطايا سيأتي يوم وينتهي وقتهم ومهمتهم ولن يستوعبهم حينها إلا سلة مهملات التاريخ.

أعود لفكرتي الأساسية،

وأقول..

إنه يجب على نظام الملالي استيعاب أن العالم العربي ليس لقمة سائغة بأيديهم.

فسوريا ليست لآل الأسد.

ولبنان ليست لنصر الله.

واليمن غير مملوك للحوثي.

والعراق ليس للحشد الشعبي ونوري المالكي.

إن لم يفهموا ذلك، فيومهم وموعدهم في المقصلة، طال الدهر أم قصر.