صدر مؤخرا قرار من مجلس الوزراء ينص على الموافقة على انضمام المملكة إلى اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي لعام 2005.

فما هي هذه الاتفاقية وما هي مجالات تطبيقها؟

تعود القصة إلى العشرينيات من القرن الماضي عندما قررت بعض الدول الأوروبية فرض حصص في شاشة السينما، بهدف حماية صناعة السينما من الغزو الهوليودي الذي اعتبره الأوروبيون آنذاك مهددا حقيقيا لثقافتهم وتجارتهم.

لاحقا وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية عاد الجدل السياسي بشأن تأثير العولمة في أشكال التعبير الثقافي والمخاوف من تضرر الاقتصاد القائم عليه.

كان الجدل حاضرا بقوة أثناء المفاوضات المتعلقة بالاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة (GATT) عام 1947، وأصبح ملحا بما فيه الكفاية للدفع باتجاه إصدار حكم قانوني يعترف بالخاصية الثقافية للسينما، وتلا ذلك جدل أوسع بسبب كثرة الخلافات التجارية المتعلقة بالسلع والخدمات الثقافية.

أصبح هذا الجدل يدور بشكل أساسي حول كيفية التعامل مع المنتجات الثقافية في الاتفاقيات التجارية الدولية، واتخذ أشكالا متعددة، وتأثر بعدة عوامل منها بدء أعمال منظمة التجارة العالمية عام 1995، والتدابير التي اعتمدت تباعا لتحرير التجارة.

ثم جاء العام 2003 حيث تقدمت عدد من الدول بطلب تفاوض رسمي لليونسكو لإعداد هذه الوثيقة، وبالاعتماد على عدد من مبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي، وبالفعل قرر المؤتمر العام لليونسكو المضي قدما بشأن التفاوض حول اتفاقية تتعلق بتنوع المضامين الثقافية وأشكال التعبير الفني. وأخيرا وبعد عدة اجتماعات ولدت هذه الاتفاقية في أكتوبر 2005. واستتبع هذا عدة اجتماعات لتناول الاتفاقية والتصديق عليها وتنفيذها حتى دخلت فعليا في 2007 حيز التنفيذ.

تقر هذه الاتفاقية في جوهرها بالطبيعة المتميزة للأنشطة والسلع والخدمات الثقافية بوصفها حاملة للهويات والقيم والدلالات، كما تؤكد حق الدول السيادي في مواصلة واعتماد السياسات والتدابير التي تراها ملائمة لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي على أراضيها.

كذلك تنص الاتفاقية على أهمية تهيئة الظروف التي تكفل ازدهار الثقافات وتفاعلها تفاعلا حرا تثري من خلاله بعضها بعضا. وحتى نفهم التوقعات الكاملة حول هذه الاتفاقية علينا أن نقرأ أهدافها المعلنة آخذين بعين الاعتبار ثلاث مسائل.

أولها ما يتعلق بهدف الاتفاقية ونطاق تطبيقها في ضوء خاصية الاتفاقية كوثيقة دولية ذات نزعة قانونية، فالواضح هنا أن الاتفاقية لا تتدخل بشكل مباشر في النواحي الأنثربولوجية والاجتماعية للتنوع الثقافي، فلا تشمل حماية التعددية الثقافية أو التنمية الثقافية أو حقوق المؤلفين والفنانين. لكنها تركز على حفظ تنوع المضامين الثقافية والعوائد المتوقعة من تطور أشكال التعبير.

المسألة الثانية تتعلق ببرنامج العمل المعتمد لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي، وتقدم الاتفاقية في هذا الجانب برامج لدعم السياسات والتدابير التي تتخذها الدول لتشجيع تنوع أنماط الإبداع وأشكال التعبير الفني وإنتاجها ونشرها وتوزيعها كجزء من الثقافة الإنسانية العالمية، مع إتاحة الانتفاع بها تجاريا.

أما المسألة الثالثة فتتناول التوجهات القانونية المفضلة عند نشوء حالات تلتقي فيها الاعتبارات التجارية مع الاعتبارات الثقافية.

من جهة أخرى، أشكال التعبير الثقافي كنمط اتصال، تعد من الاحتياجات الأساسية لكل جماعة، كما تعد وسيلة لتكيف مختلف الثقافات مع التحولات التي تفرضها العولمة، إذ يخلق صناع أشكال التعبير من مبدعين ومثقفين وفنانين، التوازن بين القيم الثقافية الوطنية والأجنبية، وكذلك بين مظاهر القيم في الماضي وما يتوقع أن تكون عليه في المستقبل. ومن هنا يمكن الجزم بأن حماية التنوع الثقافي لأي مجتمع لا يتم إلا بحماية أشكال التعبير، وتمكين الأفراد والشعوب من التعبير عن قيمهم وأفكارهم، وتشاطرها مع الآخرين في ظل سياسات عادلة.

ختاما.. لا شك أن انضمام المملكة إلى الاتفاقية في هذه المرحلة يأتي منسجما مع السياسات الوطنية الداعمة للانفتاح الاقتصادي والثقافي، وداعما لتوفير الحماية الضرورية للتنوع الثقافي وأشكال التعبير الحية المتعددة في الوطن، كما يتوقع إثر ذلك نمو قطاعات ثقافية وفنية وازدهارها، وخلق فرص جديدة للعمل والإبداع، فضلا عن تعزيز القوة الناعمة للثقافة السعودية، وتوظيفها لدعم قيم التعايش والسلام في العالم.