وبالنظر إلى جميع معايير النظام وتطبيقها على طبيعة عمل مكاتب وشركات المحاماة والاستشارات القانونية، يتضح أن الكثير من المنشآت القانونية لديها قصور في هذا الجانب، يتمثل في عدم فهم طبيعة الالتزام بهذه المتطلبات والضوابط، وأهمية التقليل من المخاطر وتقييمها على نحو مستمر بما يتماشى مع النشرات الدورية للعديد من المعايير والضوابط الدولية والمحلية.
إن مفهوم مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يعتمد على عدة ركائز يتوجب على كل محامي التقيد بها والعمل بموجبها لتوفير تلك المتطلبات والضوابط، ومن ذلك تقييم مخاطر الدول عند التعامل مع الكيانات الموجودة فيها، بناء على نتاج عمل تقييم منظمة مجموعة العمل المالي «FATF»، والتي يجب تطبيق توصياتها، استنادًا على تعميم وزارة العدل رقم 13 / ت / 4483 وتاريخ 14/02/1433.
ومن المتطلبات والضوابط الأساسية كذلك لتقييم تلك المخاطر، فرض تدابير العناية الواجبة سواء المرتبطة بالعميل أو الخدمات والأعمال المقدمة؛ وكذلك تدابير العناية الواجبة المعززة للعلاقات التي يتم تقييمها على أنها عالية المخاطر وفقًا لمصفوفة تقييم تلك المخاطر.
عند تقييم مخاطر الأفراد، هناك جانب مهم، يتمثّل في أن يتم تقييم مخاطر الأشخاص المُعرّفين سياسيًا والأشخاص المرتبطين بهم. ويتوجب كذلك على المحامي وضع برنامج لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفقًا لنصوص مواد النظام ولائحته التنفيذية، والتي وضعت العديد من المعايير تحقيقًا والتزامًا بذلك.
وفي الحقيقة، تغفل بعض المكاتب والشركات العاملة في قطاع المحاماة والاستشارات القانونية، عن الالتزام بالمتطلبات المنصوص عليها في النظام، ولديها قصور شديد في الالتزام بقواعد مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المتعلقة بممارسة مهنة المحاماة، والتي تم إعلانها وفقًا لتعميم وزارة العدل رقم 13 / ت / 4446 وتاريخ 08/01/1433. ومن صور هذا القصور الجسيم، خلو الهيكل الوظيفي في الكيانات القانونية من وظيفة «مسؤول مراقبة»، لتنفيذ متطلبات وضوابط برنامج مكافحة غسل الأموال، وهذا إخلال جسيم بتطبيق مبادئ وقواعد مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ومن جوانب القصور أيضًا، عدم وجود برامج تدريبية للعاملين في مكاتب وشركات القطاع، تهتم بإحاطة العاملين، بالأنظمة والتعليمات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والمستجدات في هذا المجال بما يحقق لهم الإلمام و التعرف على أنماط وسلوكيات هذه الجريمة وكيفية التصدي لها.
ونخلص من ذلك إلى أن على المنشآت القانونية المرخصة، الالتزام بوضع سياسات وإجراءات داخلية لها، تضمن فاعلية تقييم تلك المخاطر ومراجعتها على نحو مستمر، والتقيد بتدريب العاملين لديها بشكل دوري على مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والاحتفاظ بالسجلات، خاصةً في إطار الجهود المبذولة والملموسة لمكافحة أنماط هذه الجريمة في شتى قطاعات الدولة.
يتبقى بعد ذلك دور على الجهات الرقابية المعنية بالرقابة على مكاتب وشركات المحاماة، والتي لم نشاهد في تقاريرها ما يؤكد فاعلية رقابتها، فمن الواجب أن يكون هذا الدور ملموسًا تحقيقا لغاية رقابتها والتزامًا بالمتطلبات والضوابط والمعايير المنصوص عليها نظامًا، محليًا ودوليًا.