هل تعرفون من لا ينسجم وينسحب وينجذب، في سحر لا يقاوم، إلى برامج عالم الحيوان واكتشاف الحياة البرية؟

لعله يصعب في هذا المقام الخوض في تحديد أسباب التوقف عند هذا النوع من البرامج الجذابة، إلا أن المصداقية هي ما أظنه أول تلك الأسباب وأهمها.

لا أتصور، ولا أظن أن هناك من يتصور، أن لدى منظمة رائدة تعد من أضخم وأهم المنظمات غير الربحية في العالم، مثل "ناشونال جيوغرافيك" أي أجندات سياسية، أو أهواء حزبية أو شحناء طائفية أو غيرها.

إن ما يقدمه هذا الإعلام النوعي من توثيق، ومعارف واكتشافات علمية مدهشة، منتج بطبيعته، لا يحتمل التعصب أو الانحياز إلى جهة أو رغبة أو مزاج.. وما ينبغي له.

ولذلك ينسجم المشاهد عادة مع برامج الطبيعة والحيوان، بالشكل الذي يعجز عن فهمه.

إن توثيق هجرة الحيتان وأسماك القرش والحمار الوحشي والنوارس والظباء ذات القرون المتشعبة وحتى العوالق، لا يمكن أن يكون مادة موجهة بحسب مصلحة أو أهداف لا تعجبك، أو لا تعنيك. بالتالي جاء هذا النوع من الإعلام المعرفي الخلاق، ليملأ فراغا هائلا، في واقع "فضائي" بات يوحي بتفرغ الجميع تفرغا كاملا للتخلص من كل شيء يحمل قيمة أو معنى.

وكما يجد المرء في تصوير مطاردة حيوان مفترس لفريسته حتى يبطش بها، أو رصد سنجاب يجمع قوت الشتاء، أو نسر ينقض على جيفة، ما يروي شيئا من ظمئه إلى الحقيقة، فهو يجد أيضا ما يدعوه إلى قراءة تلك المشاهد بشيء من الخيال.

ومثال ذلك ما جاء في أول مسرح رمزي لشريعة الغاب "كليلة ودمنة".. فمع الغابة، وأسرار البراري والبحار، يمتد أفق رحيب للتأمل، والتفكير.. والمقاربة.