ما أن انتشر خبر انضمام كريستيانو لنادي النصر، حتى اشتعل المعلقون في العالم، بعضهم رياضيون، يتكلمون فيما يخص اهتمامهم، عن تأثير هذا على صعيد مسيرة اللاعب العالمي، وكرة القدم السعودية، ونحو هذا، إلا أنّ هناك من لم تكن الرياضة في دائرة اهتمامه، بل يفتقر للروح الرياضية من الأساس، فوصل الأمر بنصر الله زعيم ميليشيا (حزب الله) إلى الانفجار ممتعضًا من وجود كريستيانو في السعودية! خطباء من عيّنة كمال الخطيب لم يفوّتوا العرض، فانطلقوا يتصنّعون البكاء على منبر المسجد بدل الحديث في شأن ينفع الناس في دينهم، ويجمع ذا وذاك التحريض على السعودية، حالة يرجّح أن كريستيانو نفسه لم يدركها، لكن أدركها بعفوية السعوديون، هدف لم يحققه كريستيانو، لكن حققته السعودية!

يأتي هذا في وقت أعلن فيه وزير المالية السعودي محمد الجدعان، رسالة واضحة للمنطقة، ودول العالم، أنَّ المملكة غيرت من طريقتها في تقديم المساعدات، لن يكون هناك مساعدات غير مشروطة في المستقبل، سيكون الأمر مرتبطًا بالمصالح الإستراتيجية للمملكة، حينها جف لعاب كثير من المنتظرين للخير السعودي، فغاظهم أن الإنفاق السعودي، في أمر لا يعنيهم، ولا يمكنهم أن يفاوضوا فيه أو أن يملكوا ورقة ليخرجوا بمكسب، فانطلقوا للتحريض والصراخ، مثل الطبول الفارغة، ولكن ما أعلنه وزير المالية، وهو إعلان بلغة دبلوماسية عالية، كان أصرح منه ما أدركه المواطنون السعوديون، بينهم وبين أنفسهم، ولم يتركوا وسائل التواصل بعيدة عن التعبير عنه: بأنّ السعوديين ليسوا مدينين بعد الله ثم قيادتهم الحكيمة لأحد، فلا مجال للحديث معهم بلغة الاستحقاق لخيرات بلادهم!

لا مجال للحديث بلغة لا تحترم شأنهم الداخلي، وسياساتهم الخارجية، وبخصوص عقد كريستيانو لم يكن الأمر في حلبة السياسة سوى ما يشبه الأيقونة لما يفترض أن تكون الرسائل الدبلوماسية أوصلته، لكن لعل تلك الرسائل خاطبت شريحة بطيئة الاستيعاب لما حولها، فوصلتهم مراميها متأخرة، نعم! هذا شأن سعودي داخلي، لا ينتظر السعوديون تقييمًا من أحد، بل يفترضون أن ما قدّموه للجميع من مساعدات في كل وقت كافٍ ويزيد على أن يظفر عند غيرهم بالاحترام والتقدير للدور الذي لم تكن المملكة مجبرة عليه، فليست هذه هي اللغة التي يمكن لأي سياسي أن يخاطب بها المملكة.

وحين ينطق نصر الله بالكلام عن العروبة وحاجة لبنان إلى الدعم السعودي، ونحو هذا، حينها يقال له: حاول مرة أخرى! فالعروبة تفرض عليك الكثير، وأقلها ألا تكون أداة طيعة بيد إيران، ولو على حساب بلدك لبنان، ولا تتكلم كأنك معلّق على الشأن اللبناني من بعيد، تسعى إلى إيجاد يد العون له، بل أنت في صلب مشاكل لبنان، بل نواة كوارثها، وبأي وجه يتحدث من اعتاد مهاجمة السعودية فيستجدي منها تقديم العون له ولأمثاله.

ليست هذه هي اللغة التي يمكن أن تخاطَب بها السعودية، بل لا بد أنك سمعت إعلان وزير المالية، لا يحق لك أن تسأل عن مال السعوديين فهو يخصهم، شأنهم الداخلي، يمكنك أن تتحدث عن سياساتك فقط، فاستوعب ما الذي يجري حولك، وحين يتكلم المرء عن سياسته هو، يكون استماع الناس لما يخص مصالحهم، أما لغة الاستحقاق وكأنَّ له نصيبًا في خير السعودية فهذه صيغة حذفت من قاموس ما يريد السعوديون سماعه.

وهو الأمر الذي ينطبق على الدول المتنوعة، ليست السعودية جمعية راعية لكل أزمات العالم، ينتظرون منها أن تطفئ حرائقهم التي أشعلوها بأيديهم، هذا أمر يفترض أن يوفر الساسة المختلفون وقتهم بقطع الحديث عنه، إنما عليهم أن يفكروا دومًا بما يضمن المصالح المشتركة، حين تُخاطب المملكة، تُخاطب مصالحها فحسب.

وبالعودة إلى الرياضة، فما تقوم به السعودية لافت على صعيد العالم، يظهر كم هي رائعة هذه البلاد حرسها الله، فما تقوم به جعلها محط أنظار العالم، والسعوديون أظهروا مدى حبهم للحياة، وزيّفوا الدعايات التي لم تتوقف لتشويه صورتهم، وصورة بلادهم، وأضحى التغيير الحقيقي الذي يحدث في السعودية بتسارع مادة للقنوات، والحوارات، فتخشى أن تسبقها التغيرات فيها، وبات السؤال ما الذي بقي من مفاجآت يمكن أن يشاهدها العالَم؟ فإلى مزيد من التقدم، ومزيد من الأهداف... حتى تلك التي لا يحرزها كريستيانو!