لا أستغرب الكراهية الصادرة من (المتطرفين غير المسلمين) لدين الإسلام، ولا أستغرب حرق أفراد منهم المصحف الشريف، وربما بموافقة رسمية من بعض مسؤوليهم. لا أستغرب ذلك منهم لأن الله الذي خلقنا وخلقهم قد أنبأنا أنهم ما يودون أن ينزل علينا من خير من ربنا، وهذا دليل على الكراهية والحسد والحقد فيهم، قال تعالى (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم)، ولأن الله أخبرنا أن كثيرا من اليهود والنصارى يودون أن نترك ديننا الإسلامي ونتبعهم على دينهم، قال تعالى (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق)، ولأن الله أخبرنا أن كل من كره دين الإسلام لايحبوننا حتى لو أحببناهم قال تعالى (ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم)، ولأن الله أخبرنا أنهم مستمرون في الأذية وصرف المسلمين عن دينهم بكل وسيلة، قال تعالى (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا).

هذه الكراهية والحقد على ديننا وكتاب ربنا وسنة رسولنا، لا يجعلاننا - نحن المسلمين - نخرج عن الاعتدال الذي أمرنا به ربنا في كتابه، كما في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا اللَّه إن الله خبير بما تعملون) وقال أيضا: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن اللَّه لا يحب المعتدين)، فالاعتداء على من لم يقاتلنا محرم في ديننا مهما كان دينه لقوله تعالى (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، بل إن ديننا لم ينهنا عن البر للكفار الذين لم يعتدوا علينا قال تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)، وأمرنا أن نقول القول الحسن لكل الناس مهما كان دينهم قال تعالى (وقولوا للناس حسنا)، قال السعدي في تفسيره: أمر الله بالإحسان بالقول، فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار، ولهذا قال تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}.

فالإسلام عدل كله، ورحمة كله، وكتاب ربنا يهدي للتي هي أقوم، لكن الحاقدين من الكفار ومن تبعهم في ضلالهم يعمهون.

قلت إني لا أستغرب من عداوتهم للإسلام وأهله لأن الله تعالى أخبرنا عنهم في كتابه، ولكني أستغرب قوماً من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ويكتبون في بعض صحفنا، صبوحهم وغبوقهم الدندنة على اتهام مناهجنا الدراسية بالكراهية والعنف، كذبا وزورا، وهم مع هذا يسلقون كثيرا من المسلمين الذين لا يوافقونهم بألسنة حداد، ويناكفون أحكام الشريعة، لكنهم صم وبكم وعمي عما يفعله الكفار من كراهية وعنف وتطرف.

لم يتحدث كثير منهم عن حرق المصحف الشريف من قبل بعض الكفار، بينما لو حرّق مسلم أحد كتبهم التي يزعمونها مقدسة، لرأيت من بعض كتابنا الهجوم الشديد، ليس على الفاعل فحسب بل حتى على كتب أهل العلم التي يسمونها كتب التراث، وأنها سبب الإرهاب والعنف، لكن إن كان الفاعل متطرفا غير مسلم، فعين الرضا عن كل عيب كليلة، فلا يصفون العمل بالإرهاب، فضلا أن يتحدثوا عن أسس العنف والكراهية في معتقداتهم ومناهجهم.

أقول هذا على سبيل فرض حدوث ذلك من مسلم، وإلا فإني لا أرى جواز الاعتداء على غير المسلمين الذين لم يحاربوننا، ولا حرق كتبهم، ولا سب الذين يدعون من دون الله، لئلا يسبوا إلهنا الحق سبحانه وتعالى، قال تعالى (ولا تسبوا الذين يدعون من دون اللَّه فيسبوا اللَّه عدوا بغيرِ علم) فديننا دين السماحة والرفق واليسر والقول الطيب.

فاللهم إنا نعوذ بك أن نكون أعزة على المؤمنين، أذلة على الكافرين، ونسألك أن توفقنا للاستقامة على دينك، والدعوة إليك على بصيرة، وأن ترزقنا الاعتدال والاتزان في شأننا كله.