قام المتطرف بالدوان- ومجددًا- بحرق القرآن الكريم، لماذا، ومن أتباعه، وكيف يصل إليهم، وما النقطة التي يستغلها بحيث يحركهم؟ كل هذه الأسئلة اجتاحت تكفيري وأنا أقرأ الخبر.

هو بالتأكيد يعلم ما رد الفعل، ويعلم تمامًا ماذا يريد! أليس من الواضح من التجربة، أنه يريد أن يؤجج الكراهية ضد المسلمين ليرى أتباعه والمجتمع مسيرات الغضب بالشوارع مصحوبة بحالات عنف وتكسير وربما اعتداءات؟!

أليست هذه الصورة النمطية تحديدًا ما يريد أن يزرعها أو يعيد زرعها في أذهان بني جلدته ضد المسلمين؟ فكلما شعر بأن هنالك تعاطفًا أو تقبلًا من مجتمع مساند للإسلام والمسلمين، تحرك من جديد! والإعلام بالطبع يساعده بتسليط الضوء على رد الفعل فقط! بالنسبة لهم إن وقعت الكأس على الحجر فهو ذنب الكأس، وإن وقع الحجر على الكأس فهو أيضًا ذنب الكأس! التركيز هو ذاته لا يزحزحهم عن هدفهم ولا الجن الأزرق!

الآن سؤال تال: كيف يجمع متابعيه أو لنقل مؤيديه من الشباب؟ لنبتعد قليلًا عن ميوله التي اعترف بها دون خجل بل يدعم هذه الشرائح بشكل علني، ولم لا؟! طالما أن العالم أصبح مسعورًا يحارب السوي ويدعم الشاذ، ولنبتعد أيضًا عن الأطفال الذكور الذين اتهم بأنه يتواصل معهم في المواقع المشبوهة ويتحدث معهم بلغة الجنس المتطرفة حتى إنه قد تم التقدم ببلاغ ضده لدى السلطات، ولكن على ما يبدو كل ذلك بالنسبة للإعلام يُدفع تحت السجادة «كرمى عيون» قضية معاداة الإسلام والمسلمين! لنجعل التركيز هنا على «الشباب الغاضب» الذي يخاطبه ( بالدوان) ويلعب على أوتار الخوف والغضب والاكتئاب والعداء التي هي من السمات الشائعة عنهم، حقًا كيف يصل إليهم؟!

أخذت أبحث وأغوص ما بين العناوين والأخبار حتى وصلت إلى دراسة بعنوان «شباب غاضب: نظرة داخل مجتمعات الإنترنت المتطرفة»، أعدها مركز رعاية الشباب الرقمية عام 2019، ووجدت أنها محاولة استكشاف للجانب المظلم للإنترنت، حيث التركيز على طرق تمكن المجتمعات المتطرفة على الإنترنت، من أن تدفع إلى التطرف والتلاعب بالصحة العقلية لدى الشباب، للتأثير في أفكارهم وسلوكياتهم، فهذه الأنواع من المجتمعات توفر بيئة داعمة لاحتياجات الشباب النفسية والعاطفية، ولكنها بالوقت نفسه تعزز الكراهية والتطرف لديهم، ويتاح لها ذلك من خلال تشكيل مجتمعات حصرية ومعزولة، بحيث تسهل عمليات الانخراط وبث خطاب تحركه الكراهية والعداء لمكونات مختلفة من المجتمع مثل النساء أو اليهود أو المسلمين أو المهاجرين غير الأوروبيين.

وخص الباحثان جزئية لمناقشة مخاطر مثل هذا السلوكيات وتأثيرها في الصحة العاطفية والعقلية للشباب، وعلاقتها بالسلوكيات والمواقف الفعلية على أرض الواقع، وأدرجت عدة أمثلة من أحداث عنف وقتل تم متابعة فاعليها على الإنترنت ووجد أنهم فعلًا تعرضوا للاختراق من قبل المجتمعات المتطرفة، وتم تلاعب وتطويع لفكرهم ودفعهم إلى مزيد من التطرف حتى تم لهم تفعيل كل هذا الغضب والكراهية على أرض الواقع، ولم يتم الاكتفاء بذلك، بل تم دعمهم بتعليقات التأييد والمساندة حتى يتشجع الآخرون ويقومون بأعمال تخريبية همجية مماثلة!

هناك عديد من الدراسات الأخرى التي تركز على موضوع مجتمعات الإنترنت المتطرفة والتطرف، وجدت بعض الأمثلة من العالم العربي تحتوي على نظرة ثاقبة فريدة حول كيفية انتشار الأيديولوجيات المتطرفة بين الشباب، فضلاً عن الطرق المحتملة للتدخل قبل أن يصبح الفرد متطرفًا بشكل كامل، منها: «التطرف بين الشباب: دور منصات التواصل الاجتماعي» للقريشي وآخرين، «تأثير التطرف الإسلامي عبر الإنترنت بين الشباب العربي» لزبيان وخليل، و«تحليل للمواد المتعلقة بالدولة الإسلامية على الشبكات الاجتماعية في سوريا والعراق» لمنصور وآخرين، أما الأمثلة من العالم الغربي وجدت التالي: «التطرف بين الشباب في بيئات الإنترنت» لبيليتش وآخرين، «دور منصات وسائل التواصل الاجتماعي في الأيديولوجيا المتطرفة» لبوزدنياكوف وكودريافتسيف، و«فهم عوامل الخطر للتطرف: مراجعة سردية» لدايجل ويليامز وآخرون، مثل هذه الدراسات وغيرها، مصدر مهم للباحثين والمتخصصين في مجالات الصحة العقلية، والتربية والتعليم بخاصة المعلمون والمعلمات، فهي تقدم نظرة ثاقبة حول القضايا المحيطة بالشباب الغاضب الذين ينضمون لهذه الشبكات الخطرة، إضافة إلى الحلول المحتملة للتدخل قبل فوات الأوان.

عندما نواجه كمجتمعات إسلامية مثل هذه التصرفات الهمجية الرعناء، يجب ألا نندفع ونتصرف كما هو المتوقع من الآخر، بل نواجه بالعقل والمنطق مستخدمين استراتيجيات استباقية تضمن لنا التوصل إلى اختراق مكامن الخلل لديهم والعمل مع المهتمين لديهم لعلاج ذلك، لأن أمثاله كثر ويعملون على التأجيج، ولكن إن عرفنا أين المصدر وتوصلنا إلى إخماد الفتيل، بل إلى المساهمة في توجيه المسار ليس لصالحنا فقط بل لمجتمعاتهم أيضًا، فنحن كمسلمين مطالبين بإعمار الأرض وليس هدمها، بالتواصل وليس القطيعة، بالتعاون وليس التغاضي والإهمال.

لقد وهبنا الله، سبحانه وتعالى، العقل لكي نفكر ونتدبر وندرس ونحلل ونستنتج،لا لكي نعطله ونندفع خلف مشاعرنا لمجرد أن أحدا حرك عصاه في وجوهنا متوقعًا أن نستجيب كما خطط، العصاة يمكن أن تكسر بأن نجردها من قدراتها على التأثير، وبدلا من التفكير في كيفية قطع اليد، لنفكر في كيفية مواجهة العقل الذي يحركها.. إن تجرد (بالدوان) وأمثاله من الأتباع هل سيتحرك وحيدًا؟ هو يريد أن يصور لأتباعه أنه شجاع، ولكن بالحقيقة ليس سوى جبان يستمد قواه ممن يسانده!

الشباب الغاضب سواء كان عندهم أو عندنا شريحة يجب الانتباه لها، وفتح سبل الحوار معها، بالنهاية طالما أن هنالك من يستطيع أن يصل إليهم ويعمل على التلاعب بعقولهم، ألا نستطيع نحن أيضًا أن نصل إليهم ونعمل على التأثير فيهم لإصلاحهم؟! أليس من البديهي أن كل جرح بحاجة إلى احتواء وتقبل وتفهم؟ فالجرح ينتظر دواء لا ملحًا، لنبدأ من حيث هم ونصعد معهم خطوة خطوة إلى مسطح السلام والأمان. التقرب إليهم ليس برفع الحاجب والاستنكار، التقرب بسماحة الوجه، بمد اليد، وبالحوار الذي يشعر الآخر بأنه في دائرة الأمان.