ظهرت هذه الأزمة لدى الإعلام التقليدي مع بزوغ «الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي» التي أصبحت منابر إعلامية بصورة أو بأخرى، ثم انتقلت الأزمة للإعلام الجديد أيضاً مع كثرة هذه المنابر، فبتعدد الخيارات الجيدة -افتراضا- يصعب عليهم زيادة عدد المشاهدات التي تجذب الإعلانات، التي من دونها لن يستمر هذا المنبر، كما قال الصحفي مساعد الثبيتي «لا إعلام بلا إعلان».

بدايةً كان التنافس حول الجودة والأكثر إثارة، مع وجود آخرين يتميزون بالمحتوى الهابط، ولكن نسبتهم قليلة ولهم جمهورهم، ثم مع ارتفاع الخيارات إلى المئات - دون مبالغة - لاحظنا أن المشاهد يذهب للإعلام الجديد ومنصاته التي منها منصات التواصل الاجتماعي، وتبرير المختصين يشير إلى تخلف الإعلام التقليدي وعدم مواكبته التطور التكنولوجي، فسارعت القنوات لاستخدام أدوات الإعلام الجديد، ومحاولة جذب المشاهد باستضافة «مثيري اللغط»، وتناول الموضوعات التي تثار في مواقع التواصل، السؤال الذي يحضر هنا: هل استعادت هذه القنوات مكانتها؟

باعتراف العاملين فيها، إنها تعاني من أزمة محتوى، وأن ما فعلته من تجديد لم يرفع نسب المشاهدة كما كانت بالسابق، والمعلن لم يعد مهتما كثيرا بها، وتوجه الكثير منهم لمنصات الأفراد صاحبة أعداد المشاهدة الأعلى والفعالة، فأين الخلل؟

الخلل يكمن في عدة جوانب، أبرزها أن بعض المنابر ذات توجه معين، فتستضيف الأسوأ ممن يمثل التوجه المخالف، وتظهره بصورة بشعة حتى تسقط فكره. ألعاب إعلامية كثيرة يمارسها العاملون هناك، لأنهم مجموعات «شللية» يعرفون بعضهم ونمطهم واحد.

من الجانب الإبداعي الوضع في انهيار، لأنه مسيطر عليه منذ 25 سنة بالأشخاص أنفسهم والنمط نفسه، بتعريب البرامج والاعتماد على الاجتهادات الشخصية، دور الشباب صوري إلى حدٍ ما، ومن تمكن من المشاركة في صناعة القرار - وهم قلة - دخل بتزكية مالية أو عينية.

كنت أسمع - كما سمعتم أنتم- عن سوء الإدارة الإعلامية، حتى رشحت لإدارة محتوى، ورأيت العبث والتسيّب والمصالح الشخصية والمجاملات، أقصى مدى للسوء، يتمثل في أن العاملين لا يعرفون استخدام «أدوات الإدارة» ولو بمستوى مبتدئ، أُميون في استخدام برامج الكمبيوتر عدا «وورد»، قسم إدارة المحتوى والأقسام الأخرى دائما في صراع مستمر داخل المنشأة!، مدير في الدور العاشر يفكّر بنوع وشكل المؤتمرات، كي تُلتقط له الصور مع كلمات الشكر والثناء على جهد فضيلته.

مهارات إدارة المشاريع تطبق على أي مسار غرضه تحقيق هدف، حتى على حياتك وإدارتها، يمكنك تطبيقها كي تحقق أهدافك الشخصية، المنظومة الإعلامية تفتقر لهذه المهارات، وبالتالي يتدخل الممول والمعلن في المنتج النهائي، فيسفر عن مسخ إعلامي لا يمكن تصنيفه، مبالغ طائلة تصب في هذه الإدارات دون نتيجة إيجابية واضحة.

المنتج عالي الجودة يحتاج لـ«إدارة مشروع الإنتاج، تشرف على إدارة عمليات التصنيع والجودة، وإدارة التسويق والمبيعات».

أخيرا.. إعلامنا يفتقد لإدارة المشروع الشامل، لذا يتخبط «المحتوى»، المنتج والجودة معدومة، أما التسويق والمبيعات فما زالت تعتمد على العلاقات العامة بمبدأ «شد لي واقطع لك».