في الوقت الذي يعاني فيه الناس في كثير من الأماكن لتدبر أوضاعهم المعيشية، بات الموت في كثير من تلك الأماكن أمرا مكلفا للغاية، خصوصا بالنظر إلى التكلفة العالية والمستعجلة، التي يستلزمها الحصول على قبر لدفن الميت فيه.

وفي وقت تتكفل فيه المملكة بجميع الخدمات لمن يموتون ويدفنون في أراضيها، مواطنين وغير مواطنين، بما فيها الغسل والأكفان والدفن المجاني، ودون تمييز بين مقابر الأثرياء وغيرهم، مع وضعها أرقاما مجانية لأي شكاوى بهذا الخصوص، مع إيلاء المقابر عناية كبيرة لجهة النظافة والصيانة، ووضع دورة زمنية لإشغال المقابر، فإن العثور على قبر في بعض الدول العربية الأخرى، بات من الصعوبة بمكان في ظل ارتفاع الأسعار، وانتشار تجارة الموت، والسماسرة الذين وجدوا حتى في تجارة الموت مصدرا لأرباح طائلة.

ويلجأ عدد من قاطني الدول العربية إلى ابتكار طرق عدة للحصول على مدفن لموتاهم، ويحاولون دفنهم في طبقات تعلو بعضها بعضا، ويفصلون بين الرفات القديمة والجثة الجديدة بطبقة خفيفة من التراب.

ويلجأ البعض إلى تجديد المقابر القديمة وبيعها للحصول على أرباح كبيرة، ولجأ آخرون إلى بناء مقابر متعددة الطبقات، لتتسع المساحة الواحدة إلى أكثر من جثة، كما يشترك أحيانا عدد منهم في قيمة مقبرة لشرائها ودفن موتاهم فيها.

آلاف الدولارات

يؤكد عامل في إحدى المقابر في لبنان خلال اتصال هاتفي أجرته معه «الوطن»، أن تكلفة الدفن تتراوح في لبنان بين 15 ألفا و30 ألف دولار، شاملة تكلفة نقل الجثمان وتكاليف النعش والكفن.

وبيّن أن تكلفة القبور الوقفية، التي يفترض في الأساس أن تكون مجانية، تتراوح بين ألفين و3 آلاف دولار.

وأوضح أن هناك أشخاصا باتوا يدفنون موتاهم بعضهم فوق بعض في قبر مشترك، للتوفير نظرا لعجزهم وعدم مقدرتهم على شراء قبر جديد لكل ميت في الأسرة.

سماسرة القبور

في مصر، تختلف الأسعار حسب المواقع. وغالبا ما يدفن المصريون موتاهم في بناء يتفاوت حجمه وشكله، ما يؤكد حاجتهم لمساحات أوسع لتلك المقابر.

والمقابر في مصر معظمها تكون خاصة، تشتريها وتبنيها العائلات والأسر لأفرادها المتوفين، لكن أيضاً تبني الدولة مقابر لكن بمساحات محدودة، كما يخضع عدد منها إلى سلطة القطاع الخاص، والأخيرة يلجأ إليها غالبية المصريين، وخاصة من الطبقة الوسطى، خصوصاً أنه بالإمكان التصرف بحرية في هندستها وبنائها، إذ يكون بإمكان مشتري المقبرة بناء مقابر متعددة الطوابق؛ حيث يُدفن الموتى في أدوار فوق بعضها البعض، بسبب ارتفاع تكلفة المدفن.

ويتم اللجوء إلى المقابر متعددة الطوابق لتوفير إنفاق مزيد من المال، على شراء مقابر جديدة واستبدالها بطوابق فوق المقابر المتاحة.

أما في القرى فإن المقابر تقام في قطع أراض يساهم بها سكان القرية.

ووصل الأمر إلى أن تقدم شركات بعينها عرضا لـ«تشطيب» المقبرة كاملة، مع السداد بالقسط.

وتكلف مقبرة مساحتها نحو 20 مترا نحو 100 ألف جنيه على الأقل، أما المقبرة التي مساحتها 40 مترا مثلا فيبدأ سعرها من 150 ألف جنيه.

ويحدد السمسار السعر الذي قد يصل أحيانا إلى 150 ألف جنيه أي "9 آلاف دولار" للمدفن الخلفي، و200 ألف جنيه للمدفن الأمامي بالنسبة للمقابر الجماعية، وذلك في المدن المكتظة مثل القاهرة.

وهناك مقابر يتراوح سعر القبر فيها من 100 إلى 150 ألف جنيه.

أما في بعض القرى فتصل الكلفة بين 70 و140 ألف جنيه.

فيما قد تتجاوز الأسعار ربع مليون جنيه في أماكن أخرى، ففي منطقة 6 أكتوبر في الجيزة يكلف الدفن للميت الواحد 500 ألف جنيه.

سعر باهظ

في منطقة 6 أكتوبر في محافظة الجيزة بمصر، يعد السماسرة هناك الأعلى سعرا، لأنهم يستقبلون طبقات راقية من المجتمع المصري، تفضل دفن موتاها في تلك المقابر التي تتميز بوجود الأعشاب الخضراء والمسطحات الواسعة، ويتم التحكم بأبوابها بالريموت كنترول، وتبلغ تكلفة الدفن فيها من 500 إلى 700 ألف جنيه.

مكاتب لبيع المقابر

عبر بحثنا في جوجل، وجدنا أن هناك عدة مكاتب لبيع المقابر في مصر بكافة المحافظات، على سبيل المثال مدفن للبيع في مقابر المشير في مدينة نصر بلغت كلفته 770 ألف جنيه بمساحة 40 مترا مربعا.

ويذكر الإعلان أن المدفن مميز وأن له سورا مبنيا بالطوب الوردي، وباب حديد خاص بالمدفن، ولديه أمن وحراسة حتى لا تُسرق الجثث، وبعد ذلك يبدأ من يشتري المقبرة بفرض أسعار القبور، التي قد تصل إلى أكثر من 80 ألف جنيه إلى 300 ألف جنيه.

مقابر بالحجر المنحوت

في إعلان آخر عن المقابر الفاخرة في مصر، هناك مقبرة للبيع بالقاهرة مساحتها 40 مترا مربعا، في القاهرة الجديدة طريق العين، بسعر 275 ألف جنيه.

ويصل الدفن في هذه المقابر إلى ربع مليون جنيه.

وهذه المقابر أشبه بالفنادق، فهي محاطة بالزهور والأعشاب والرخام والأبواب الضخمة، وتقسم إلى 4 طبقات علوية، الطبقة الأولى والثانية مخصصة للكبار، كالأم والأب وأهلهم، ودائما ما تكون الطبقة الثالثة والرابعة لشباب من العائلة، وهذه تكون مقابر أهلية أي لعائلة واحدة، لا يتم الدفن فيها لغير أفراد العائلة، ويكون عليها حارس يحميها ويهتم بها.

قبور في سوريا

في سوريا تبدو المقابر في القرى مجانية وبمساحات متوفرة، لكن الوضع في المدن يبدو مختلفا تماما، وعلى الأخص في العاصمة دمشق.

ووفقا للقانون السوري، لا يخضع القبر للبيع والشراء، وإنما تعود الملكية لوزارة الأوقاف في البلاد، في حين تحدد أحقية الدفن للوفاة الأولى فيه وأسرته، ولا يمكن دفن شخص غريب عن الأسرة ومن غير الورثة الشرعيين. في حين يسمح القانون بالتنازل عن القبور بين الورثة الشرعيين لها، من دون أن يكون هنالك أي مقابل مادي لقاء التنازل، بدعوى عدم حصول عملية بيع أو اتفاق مالي بين الطرفين.

لكن الوضع اختلف بعد التهجير القسري الذي تعرض له السوريون، وبعد أن ترك الآلاف من السوريين بلادهم وجد السماسرة فرصة في العاصمة في ظل غياب الأهالي، حيث طمسوا معالم القبور بالتنسيق مع حراس المقابر وموظفين في مكتب دفن الموتى ليستطيعوا إعادة بيعها بأسعار خيالية.

كما يعمد السماسرة إلى أسلوب آخر يتم فيه التنسيق مع حراس المقابر، حيث يبدؤون بالبحث عن مقابر انقطع عنها أهلها، ويسعون إلى طمس معالم الشواهد وإزاحة رفات الميت، لبيع المقبرة على أنها مقبرة جديدة بمبلغ كبير.

وتصل كلفة الدفن في دمشق إلى مبلغ يراوح بين 3 و17 مليون ليرة سورية.

إكرام الميت

يبدو الحال مختلفا تماما في المملكة، فلا المقابر تشاد بالرخام ولا تبنى كأبنية مسورة، بل تخصص مساحات كمقابر يستفيد من خدماتها الجميع، تحاط غالبا بأسوار تحمي القبور من أن تنبش أو تهاجمها الحيوانات، وغالبا ما تتوفر بعض المقابر أو الجوامع الكبيرة بمغسلة مجانية.

وفي المملكة، القبور بسيطة، حيث يُمنع رفعها عن الأرض بأكثر من 15 سم تقريبا، ويُمنع أيضاً تزيينها.

وفي المملكة كذلك، تم تأسيس مؤسسة «إكرام الموتى» بقرار وزاري بتاريخ 14 شعبان 1442 كمؤسسة أهلية مستقلة غير ربحية تعنى بشؤون إكرام الموتى، من خلال إطار مؤسسي لزيادة تنظيم العمل الخيري في مجال إكرام الموتى، بالتعاون والشراكة مع الجهات ذات العلاقة "الحكومية والخاصة وغير الربحية" ، ولخلق منظومة تنموية مستدامة من أجل تحسين ورفع مستوى خدمات إكرام الموتى.

وتهدف المؤسسة لتعزيز الترابط الاجتماعي وروح التضامن الإنساني، وتخفيف الأعباء عن ذوي المتوفى، من خلال متابعة الحالة منذ لحظة إعلان الوفاة وحتى يُوارَى الجثمان الثرى بالمجان ودون دفع أي مبلغ.

خدمات مجتمعية

تعمل المؤسسة على تقديم خدمة مجتمعية في مجال إكرام الموتى، حيث تمس هذه الخدمة جميع فئات المجتمع من أجل خلق أثر مستدام بما يوائم ويحقق رؤية 2030، في مجال إشراك القطاع غير الربحي، وتفعيل دوره وأثره بما يتوافق ويتقاطع مع الأهداف الوطنية التنموية المستدامة، من خلال إطار مؤسسي لإدارة العمل الخيري في مجال إكرام الموتى، وتحسين ورفع مستوى خدمة إكرام الموتى، وتفعيل وتنظيم العمل الخيري والتطوعي في القطاع البلدي، في مجال إكرام الموتى، وتمكين المسؤولية الاجتماعية وفقا لرؤية 2030، وسرعة الحركة والاستجابة للفرص والاحتياجات المجتمعية، ودعم الاستدامة المالية لخدمة إكرام الموتى.

ووضعت المؤسسة مبادرة تمثلت بنموذج مثالي للمغسلة الحديثة للأموات، بناء على أبرز التجارب المحلية، ليصبح النموذج معيارا لأي مانح أو جهة ترغب باستحداث مغسلة أموات، وكانت مخرجات هذه المبادرة رصد أفضل التجارب المحلية للمغاسل وأبرز مميزاتها.