يمكن انتخاب أهم عشرة تواريخ مفصلية في التاريخ السعودي- من وجهة نظري- على النحو التالي:

الأول: قدوم مانع المريدي، والبدء بتأسيس الدرعية في عام 850هـ/1446م، والثاني: تولي الإمام محمد بن سعود، حكم الدرعية، والأحداث القبلية والبعدية لهذا الحدث، والبدء بتأسيس الدولة السعودية في عام 1139هـ/ 1727م، والثالث: الموافقة على طلب الشيخ محمد بن عبدالوهاب للقدوم على الدرعية، بعد عدم الرغبة والترحيب ببقائه في العيينة، ثم مساهمته لاحقًا في بناء حالة ثقافية جديدة عززت بروز شخصية الدرعية في جوانب مهمة، وذلك بداية من عام 1157هـ/ 1744م، والرابع: قيام الدولة السعودية مجددًا وعودتها على الساحة السياسية والجغرافية، على يد الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، في عام 1240هـ/ 1824م، والخامس: دخول الملك عبدالعزيز الرياض، وإعادة الدولة السعودية للمرة الثانية بعد السقوط، والثالثة بعد التأسيس إلى الساحة السياسية والجغرافية، في عام 1319هـ/ 1902م، والسادس: توحيد مناطق حكم الملك عبدالعزيز تحت اسم المملكة العربية السعودية، في عام 1351هـ/1932م، والسابع: تدفق النفط من البئر رقم (7)، أو بئر الخير، وبداية تحول السعودية إلى أكبر مصدر للنفط في العالم، في عام 1357هـ/1938م، والثامن: بدء تنفيذ الخطة الخمسية الأولى في عهد جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز عام 1390/1970، والتاسع: انطلاق رؤية السعودية 2030 في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبتخطيط وإشراف مباشر من قبل سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في عام 1437/2016، والعاشر: «ولاية العهد» في عام 1438/2017.

وما يقع في نطاق المقالات التالية، هي التواريخ الثلاثة الأولى، وقبل الحديث عنها، أرى أنه من المناسب التقديم بالمقدمة التالية: حول رواية الحدث التاريخي، وإعادة قراءته، ومراجعته دوريًا، حتى تستقر تلك الرواية وتركن إلى أقرب واقع لما حدث، وكيف حدث؟ فالتاريخ صيغة من صيغ الوجود الإنساني تقتضي التفسير والتأويل، والبيان والتوضيح، مما يقتضي تبني مواقف متضاربة ومتقاطعة، بل ومتناقضة في كتابة التاريخ ورصده تختلف باختلاف المؤرخ وتوجهاته وملكاته، وهنا تكمن ضرورة إعادة القراءة مرات ومرات.

وما نقل إلينا من أحداث تاريخية؛ ليست هي حقيقة ما وقع كما وقع، ومن يظن ذلك فعليه مراجعة هذه الفكرة، فالرواية التاريخية مادة تنتقل عبر الزمن، وتتوارثها الأجيال عبر طرق كثيرة، بعضها يراكم إضافات متعددة على الرواية تهويلًا أو تهوينًا، وتضيف هذه الطرق للرواية تفاصيل هي من تحليلات الرواة وتوقعاتهم وتوهماتهم، وليست من صلب الرواية أو من صلب (ما حدث كما حدث)، ولكنها تحتسب في متن الرواية، وبعض الطرق الأخرى يساعد على تآكل الرواية، ويسهل فقدان تفاصيل رئيسة من متن الرواية، فالرواية التاريخية إذن مادة متحولة، ومتغيرة عن الحدث الأساس وليست مادة متنقلة من زمان إلى زمان من دون أي شطب أو إضافات.

وبحسب الظروف الثقافية لعصر الرواية، تخضع الرواية التاريخية لجوانب عقلية، ومنهجية، هي من نقائص المؤرخ، وعلى هذا تجد أن الرواية متشكلة بنفس الراوي ورؤيته، ويتجلى ذلك في عرضه الحدث من الزاوية التي تهمه أو يؤيدها أو العكس، فتخرج الرواية كما تصورها الراوي في ذهنه، وليس كما حدثت على أرض الواقع، وهو العاجز- كحال كل البشر- عن الإحاطة بجميع جوانب الحدث، إضافة إلى أنه كما يوجد بعض الروايات التاريخية المشتهرة والمستفيضة بين الناس، فإنه يوجد وجوه أخرى للحدث مستترة، إن لم تكن مضادة لبعض التفاصيل المحورية في صلب الرواية، فهي مُقلِّمة ومُهذِّبة للرواية المشتهرة، التي تتصف بالمبالغات المفرطة أحيانًا.

وفي جزئية مهمة أثناء رصد التاريخ، فإن تاريخ المجتمعات والدول، يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام: تاريخ رسمي مكتوب، وتاريخ غير رسمي مكتوب كذلك، وتاريخ شفهي، وهذا الأخير كان يتم تداوله عبر الحكايات والنقولات والأشعار بلا رصد أو توثيق، وتم توثيقه لدينا في السعودية خلال العقود القليلة الماضية بشكل رسمي، حتى من أفواه أولئك القادرين على الكتابة والرصد بأنفسهم، ومن هذه الأقسام تتكون غالبًا ذاكرتنا التاريخية، التي تكمن أهميتها في أنها الأرضية الحضارية لمنجز الحاضر والمنطلق الأهم نحو المستقبل.

ويعتبر موضوع كتابة التاريخ من المواضيع الجدلية التي لم يتوقف التنظير حولها، لذلك نجد أن الكثير من العلماء أولوا اهتمامًا كبيرًا لموضوع التاريخ ومناهج كتابته، فكتابة التاريخ صناعة وليست فقط رصدًا لمجموع حوادث حدثت في الماضي، فهو تاريخ البشر للبشر وبالبشر، وهو ما يعني ارتباط كتابته بالوعي، وعي المؤرخ وأيديولوجيته الفكرية التي توجهه لحظة كتابته الأحداث ورصدها أو تحليلها والحكم عليها، فهناك الكثير من الأحداث التي تقع في الحياة دون أن يتم الالتفات لها أو تدوينها، فضلًا عن جعلها حدثًا تاريخيًا فاصلًا.

إذن فوعي المؤرخ لا ينفصل عن كتابته للتاريخ عندما يكون معاصرًا للأحداث التي يكتبها، وهذا ينطبق على تلك الفئة من المؤرخين الذين اهتموا بصفة خاصة بوصف الأعمال والأحداث، وأحوال المجتمع التي وجدوها ماثلة أمام أعينهم، الذين شاركوا في روحها، فهم ببساطة قد نقلوا ما حدث من حولهم، عبر ما استقر في أذهانهم، وعقلياتهم، وهنا بالتحديد يجب أن ننتبه إلى أن المؤثرات التي شكلت الأحداث المكونة لصلب الرواية، هي نفسها التي شكلت المؤرخ، وروح الأحداث التي يرويها، هي نفسها الروح التي يروي بها، فهو والحالة هذه يصف مشاهد شارك هو نفسه فيها أو كان على أقل تقدير شاهدًا مهتمًا بها، في حين أن رصد التاريخ وتدوينه يحتم علينا دراسة الأحداث اعتمادًا على الحياد العلمي المجرد، وحينما تتوقف الرواية التاريخية على المؤرخ، الذي يسقط روحه وعقله على تحليل وتفسير الحدث التاريخي واستنطاقه، يأتي اعتساف المؤرخ للوقائع التاريخية.

أخيرًا، تاريخ الدول والشعوب عندما يرصد خارج دائرة منطق البحث العلمي، ويقع في فخ الأيديولوجيا، أو سطوة المنتصر، أو الانحياز عن ميزان الحياد إلى أحد طرفي الرواية (مع أو ضد) فإن ذلك كفيل بخلق جيل يسير على نسق متكرر وقوالب لا تعطي حرية الاختيار والمعرفة الأصوب والأنسب لمواكبة الحضارة وسيرها المتقدم، وللحديث بقية.