رغم التحديات التي واجهتها الصناعات البتروكيماوية في العامين الماضيين فإن وضعها اليوم عاد إلى مستويات ما قبل الجائحة بشكل رسمي. دعونا لا نتعمق كثيراً في الأسباب المتفاوتة، لكن هناك حقيقتين رئيسيتين ستقودان الطلب على المواد البتروكيماوية خلال هذا العقد وهي النمو الهندي والصيني الرهيب الذي سيشكل أكثر من 50% من النمو العالمي هذا العام، والثانية هي زيادة تطبيقات المواد الكيميائية في جوانب خطط تحول الطاقة للوصول لصفر صافي انبعاثات كربونية.

ولكن قبل التفصيل في هذين المحركين الرئيسيين دعوني أعطيكم نبذة سريعة عن كيف يصنّف الزبائن السوق البتروكيماوية. تنقسم أسواق البتروكيماويات بجسب نوع المنتجات إلى ستة مجاميع وهي الأسواق القائمة على مواد البولي إيثلين، والأخرى على البولي بروبلين، ثم البنزين والبيوتادايين، والزايلين والتولوين.

أما من ناحية الاستخدامات فهي تستخدم في تطبيقات رئيسية هي الإنشاءات والتغليف والسيارات والطائرات والمواد الكهربائية والإلكترونيات والتطبيقات الفضائية والمنتجات الاستهلاكية.

ورغم أن المغذيات الزراعية تصنّف على أنها نشاط منفصل بحسب التطبيقات، فإنها ذات مصادر بتروكيماوية في الأصل فهي تتأثر باختلاف المواد اللقيم وأسعار الغاز والنفط بالترابط.

إن أي نمو في النشاط البشري سيؤثر حتماً على الطلب على البتروكيماويات نظراً لاحتياج البشرية إلى اللباس معقول الثمن وهو يصنع مثلا من بوليمرات البولي استر واحتياجها أيضاً للأحذية التي تصنع من إلى المطاط المصنوع من مواد البيوتادايين الأولية وهذا المطاط بلغت صافي أرباح أعمالها في 2021 أكثرمن 60 مليار دولار عالمياً مقارنة بـ56 مليار دولار عالمياً في 2020 ما يعني استمرارية الطلب والسعي نحو تطبيقاته.

كما أن النشاط البشري أيضاً مرتبط بزيادة الطلب على الغذاء وبالتالي زيادة الطلب على المغذيات الزراعية والفوسفات والأسمدة. هذان المحركان الرئيسيان يجب أن تضعهما الدول في حسبانها أثناء خططها نحو التحول إلى الطاقة النظيفة والمتجددة بمعنى أنها بحاجة إلى الاعتماد على مواد لا معدنية كربونية بوليمرية في إنتاج غابات الألواح الشمسية ومليارات السيارات الكهربائية خفيفة الوزن وملايين البوليمرات القابلة للتحلل. ما يعني 10 أضعاف احتياجها من البولي إيثلين على سبيل المثال لا الحصر.

يبلغ سكان العالم اليوم أكثر من 8 مليارات نسمة تتصدرهما الهند والصين بـ1.4 مليار نسمة بالتساوي. وسينمو اقتصادهما بمعدل %6.1 و%5.1 وستكون الهند الدولة الأسرع نمواً وصولاً إلى عام 2030. كل هذه عوامل تبعث على التفاؤل للمنتجين والمستثمرين.

وعلى الرغم من التهويل الغربي لاحتمالية حدوث ركود اقتصادي هذا العام، فإن تباطؤ معدلات التضخم في أول شهر من 2023 وتعافي اقتصاد الصين ورفع قانون «صفر كوفيد» ساعد على كسر حدة التشاؤم بل وضع العالم في موقف أفضل بكثير من العام 2019. صحيح أن الأرقام نسبياً تصب في مصلحة عام 2019 مقارنة بأرقام 2022 إلا أن العالم لديه اليوم الثقة في اقتصاداته، ومرونة أكثر نضجاً في تجاوز الأزمات، وأسّس تحالفات اقتصادية وسياسية ستساعده على تغيير تشكيلات الأسواق حتى في ظل استمرارية الحرب الأوكرانية والتضخم وارتفاع أسعار الفائدة في أمريكا وأوروبا.

عالمياً، تشكل مشروعات تحويل النفط الخام ومكثفاته إلى مواد كيميائية (أو ما يعرف اختصاراً COTC أو LTC) أحد أهم محركات النمو في المجال البتروكيماوي، التي تقوده الصين والسعودية حالياً.

يحظى قطاع البتروكيماويات بنهضة ومشروعات قادمة تشكل غالبية مشروعات النفط والغاز وتمتلك السعودية نصيب الأسد من تلك المشروعات بنسبة %62.

وأشارت تحليلات مختصة إلى أن السعودية وحدها تضم 44 مشروعاً للبتروكيماويات و24 مشروعاً أخرى موزعة في قطاعات الحقول والمصب. من ضمن الـ44 مشروعاً ستكون 36 منها مشروعاً جديداً بالكلية، و8 مشروعات توسعية في القطاع البتروكيماوي ويتوقّع موعد تشغيلها كاملاً بحلول 2028-2030.

كما أعلنت الشركات السعودية والصينية مؤخراً عن خطط لزيادة تعاونها في مجالات التكرير والبتروكيماويات لما بعد 2030 وهو ما يتلاءم مع خطة السعوديين للتحول عن بيع النفط كمادة خام وتحويله لمواد بتروكيميائية متعددة الاستخدامات يمكنها تقوية وتمتين الاقتصاد السعودي في المستقبل بعيداً عن النفط.

وأخيراً، لا يزال العالم بعيداً جداً عن الاكتفاء من البتروكيماويات والنفط والغاز واسألوا أصدقاءنا الأمريكيين والقطريين كبار المصدّرين للغاز وأكبر الدول التي تتوسع في مشروعات الغاز حالياً حتى 2050.