أشارت "أم فهد" التي تعول أبناءها بعد وفاة زوجها قبل خمسة أعوام إلى موقف حدث لابنتها الطالبة بالصف الثاني المتوسط العام الماضي انعكس سلباً على شخصيتها، وقالت إن المعلمة قدمت لابنتها في موسم شتاء العام الماضي معطفا أمام زميلاتها الطالبات، وفي اليوم التالي ارتدته فبدأت الهمسات بينهن، مشيرة إلى أن ابنتها عادت إلى المنزل يومها وألقت المعطف قائلة إنها لن ترتديه مرة أخرى، لأن زميلاتها عرفن أنه مقدم لها من المعلمة.
ما ذكرته "أم فهد" يشير إلى حالة اجتماعية تحدث في المدارس، حيث يواجه بعض المعلمين والمعلمات المهتمين رفضا من الطلاب المحتاجين عند المبادرة بتقديم مساعدات عينية لهم، فيما يؤكد عدد من أولئك الطلاب أن معلميهم يغفلون عن مراعاة مشاعرهم النفسية أمام زملائهم الآخرين، ويضعونهم بموقف محرج عندما يقدمون لهم مساعدة أمام نظرائهم، مما ينعكس سلباً على حالتهم النفسية، فيقررون عدم تقبل المساعدات مرة أخرى.
رائد علي (طالب ثانوي) يؤكد أن أستاذ الفصل دعاه إلى غرفة المعلمين، وكان بمفرده، وقدم له دفاتر وأقلاما وحقيبة، وأنه كان يعتقد أن تلك المساعدة له بمفرده، إلا أنه فوجئ في اليوم التالي أن اثنين من زملائه معهما نفس الأنواع والأشكال منها، وأضاف رائد أن بعض الطلبة لا يراعون مشاعر زملائهم الفقراء، فيلقون عليهم كلاماً جارحاً من باب السخرية، لذلك كان ينبغي – حسب قوله- على المعلم أن يغير أنواع الأقلام والدفاتر التي يقدمها للطلاب ليجنبهم ذلك الموقف.
وقالت أم هشام (معلمة بإحدى القرى) "أنا وزميلاتي أجرينا بحثا على الطالبات المحتاجات، واشترينا المستلزمات الدراسية لهن، ووضعنها بأكياس هدايا، وعند استدعاء الطالبات لاستلامها كل واحدة بمفردها رفضن قبولها حياء منا، فقمنا بإعطائها للمستخدمة، وإبلاغ الطالبات للتوجه لها لاستلامها، فاستلمنها جميعاً من المستخدمة دون تحرج".
وأضافت أن "بعض الطالبات من الأسر الفقيرة نعطي لكل منهن مظروفا به مبلغ من المال لتسلمه لوالدها، ويتضمن المظروف ورقة بها المستلزمات الدراسية التي تنقص الطالبة، ليشتريها الوالد من المبلغ"، مشيرة إلى أن بعض الطالبات يرفضن أخذ المبالغ النقدية من المعلمات.
ويرى المرشد الطلابي في مدارس المهد علي الهزازي أن "المعلم يلعب دورا كبيرا في اكتشاف الطالب المحتاج، خاصة إذا كان المعلم من المنطقة التي يعيش بها الطالب، حيث يساعده ذلك على معرفة حالة الطالب.
وأضاف أنه وزملاءه يجمعون مساعدات للطلاب المحتاجين، ويسلمونها لهم بطرق مختلفة كجوائز أو مساعدات بعد انتهاء الدوام الدراسي، مشيراً إلى أنهم يضطرون إلى تنويع المساعدات المقدمة خاصة الملابس الشتوية، حتى لا يتحرج الطالب من ارتدائها أمام زملائه.
من جانبه قال مدير الخدمة الاجتماعية بصحة منطقة المدينة المنورة محمد الشاماني إن "مسؤولية التدخل الاجتماعي مع الطلاب في المدارس تقع على عاتق المرشد الطلابي دون غيره من الكادر التعليمي بالمدرسة، حيث يفترض أن يكون مؤهلاً علميا ومهنياً للتعامل مع الحالات التي تحتاج إلى دعم ومساندة اجتماعية، ولديه المهارات والتكنيكات اللازمة لاكتشاف هذه الحالات، والتعامل معها مبكرا كدور وقائي".
وأضاف أن ذلك يتم مع بداية العام الدراسي من خلال مسح شامل لأحوال الطلاب الصحية والنفسية والاجتماعية، لمعرفة الحالات التي يحتمل أنها بحاجة إلى الدعم والمساندة، أو تقديم بعض الخدمات الوقائية أو الرعاية الاجتماعية المبكرة، وخصوصا الطلاب المستجدين في كل مرحلة من المراحل الثلاث، وذلك من خلال الاستبيانات المسحية، وتطبيق قائمة المشكلات السلوكية للمراحل الدراسية.
وأوضح الشاماني أن المعلم يجب أن يكون ملما بخدمات مؤسسات المجتمع، حيث يتطلب الأمر أحيانا تحويل طالب الخدمة إلى الجهة الداعمة بالطرق المنهجية التي تضمن وصول الخدمة لمستحقها في ضوء مبادئ وأسس الخدمة الاجتماعية المدرسية، وذلك بهدف إحداث توافق نفسي واجتماعي للطالب من خلال تعديل السلوك أو البيئة الاجتماعية أو كليهما معا.
وأوضح أن دور المعلمين يقتصر على اكتشاف مثل هذه الحالات، وإبلاغ المرشد الطلابي عنها فقط، وأي تدخل للمعلم يعتبر اجتهادا فرديا، ربما ينعكس سلبا على الحالة من خلال اكتساب سلوكيات غير سوية.
وقال الشاماني: إن الملاحظ في مدارس التعليم العام أن من يؤدي دور المرشد الطلابي غير مؤهل علميا وفنياً في الجانب الاجتماعي، وقد يقع في حرج كبير أمام أبسط الحالات، مما يتيح الفرصة أمام الآخرين بالاجتهادات والتدخلات الخاطئة، ويساهم ذلك في ضعف الدور الوقائي، وعدم الاكتشاف المبكر للحالات".