فقدت الأرض توازنها فاهتزت وألقت ما عليها وتخلت، فأفاق العالم على مأساة إنسانية. عالقون يقاومون الموت تحت الأنقاض، وآخرون يلقنونهم الشهادة، كأقصى ما استطاعوا فعله للمتشبثين بأيديهم وهم يحتضرون، وآخر اشتهى كوبًا من الشاي وهو يصارع الموت تحت الركام، ألم يقولوا «إن للروح حلاوة؟»، وأظنه أراد أن يكون وفيًا لمزاجه حتى آخر لحظة. حكايات كثيرة لم تُرو بعد، ستموت مع أصحابها، إذا لم تجد الحياة إليهم طريقًا.

مناظر العائلات المشردة، وبكاء الثكالى، صور الوجوه التي ارتسم الذعر على ملامحها، ملأت أرجاء العالم، وستبقى عالقة في الذاكرة كمسمار يوجع، ككل الكوارث الطبيعية التي شهدتها البشرية من قبل، ككارثة تسونامي، زلزال إيران، وبركان جبل فيزوف في إيطاليا الذي تسبب في دفن بلدتين وتسبب في تدميرعناصر من التنوع البيولوجى.

غير أن الذاكرة البشرية لم تنس أقوى زلزال ضرب الأرض في سومطرة بإندونيسيا 2004 بقوة 9.3 درجات على مقياس ريختر، قتل أكثر من 230 ألف شخص وشرد أكثر من نصف مليون، بعد تدميره نحو 80 ألف منزل، ونتج عنه تسونامي تأثرت منه 12 دولة وتسبب في اهتزاز الكوكب بقدر 10 ملم، واليوم يحذر الجيولوجيون من حدوث تسونامي مشابه عقب الزلزال التركي السوري، الذي ما زلنا نعيش تداعياته، فالناجون عادة ما يعانون من مشاكل صحية وربما لن يعودوا بعد الهزة كما كانوا قبلها، أقلها على المستوى النفسي.

نتيجة فقد المأوى يكتظ الناجون في أماكن مؤقتة، فتتفشى الأمراض المعدية الوبائية مثل (الكوليرا والأمراض التنفسية، كالالتهابات الرئوية ومتلازمة الضائقة التنفسية)، وانخفاض درجة الحرارة في المناطق المتضررة في هذا التوقيت من العام، يزيد الأمر سوءًا..

رأينا الأطفال هم أكثر من انتشلوا من تحت الأنقاض، إلا أنهم بالمقارنة مع البالغين هم أكثر عرضة للإصابة والوفاة أثناء الهزات الأرضية، فكيف إذا كنا نتحدث عن أطفال سوريا الذين يعانون منذ نشوء النزاع من قلة الرعاية الصحية والعيش في ظروف غير آمنة، أما أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة فهم عرضة للموت أكثر من غيرهم لانعدام الأدوية وشح المساعدات الطبية بعد تهدم المنشآت الصحية.

بعد زلزال الصين 2008 لوحظ ارتفاع في حالات عدم انتظام القلب عند بعض المتضررين، وبعد زلزال اليابان 1995 عانى بعض كبار السن من ارتفاع بضغط الدم استمر لفترة أسبوعين، وأظن أن هذا نتيجة الصدمة النفسية، فلا أكثر فجيعة من أن يستيقظ أحدهم على ألم الفقد والتشرد، إذ تشير بعض التقارير الطبية إلى أن نسبة تصل إلى %72 من الناجين قد يعانون من الاكتئاب و%17 منهم لديهم أفكار انتحارية.

ولأن صحة القلب تبدأ من الراحة النفسية فلن يكون مستغربًا إذا ما ارتفعت نسبة النوبات القلبية بين المتضررين، كما حدث بعد زلزال كالفورنيا 1989، فقد ارتفعت نسبتها إلى %35 في الأسبوع الذي أعقب الكارثة.

الجفاف والإصابات الجسدية التي يتعرض لها ضحايا الزلازل من الممكن أن تسبب لهم فشلا كلويًا حادًا، التشخيص المبكر والعلاج المبكر مهم لمنع الضرر الدائم، أو أبسط إجراء يمكن فعله لإنقاذ الكلى هو الإرواء بالمحاليل بأسرع وقت، ويتعذر هذا عادة لظروف الكوارث الطبيعية.