يكتب الموظف مقترحا لمديره المباشر بناء على خبرته وعلى ما يراه من ثغرات أو قصور، أو بقصد التحسين، فالهدف من المقترح ليس عبثًا أو استعراضًا معرفيًا، وإنما للارتقاء بالعمل، واستخدام إستراتيجية «كايزن اليابانية» في التحسين المستمر، والتي قامت عليها بعض الشركات اليابانية الناجحة، ومن بينها تويوتا، ثم طبقت هذه الفلسفة في المؤسسات والعمليات التجارية منذ ذلك الحين في جميع أنحاء العالم، لكن المفاجأة ليست في تطبيق هذه الإستراتيجية، بل في عدم الاكتراث بالفكرة من قبل المسؤول أو الاهتمام، أو ربما الخوف من الفشل، ويبقى الوضع على ما هو عليه.

هذه المشكلة للأسف تتكرر كثيرًا في بعض مؤسساتنا ومع بعض المسؤولين الذين يرون أن فكرة التطوير والتحسين كابوسًا يهدد كرسيه المتحرك الذي لو دام لغيره ما وصل إليه، ففلسفة الركون وعدم الإبحار في بحر التطوير وتجريب الأفكار الجديدة، هي التي أدارت عجلة التحرك باتجاه واحد، وهو تطبيق أفكار وتجارب الغير، أو اتباع «هذا ما وجدنا عليه آباءنا الأولين».

ولعلنا نورد قصة «إريك يوان» كمثال لعدم الاهتمام بأفكار أو مقترحات الموظفين، حيث كان إريك نائب رئيس قسم الهندسة في شركة سيسكو سيستمز (COscoSystem)، وعندما رأى ظهور تطبيقات عقد مؤتمرات الفيديو على الهواتف فرصة للشركة، اقترح عام 2010 تحديث منصة (ويبيكس) لتتوافق مع أنظمة الهواتف، لكن لم يلق اقتراحه أي اهتمام من قبل الشركة، وبالتالي ترك العمل، ليطلق تطبيق «زووم» الذي حل محل ويبيكس، باعتباره التطبيق المهيمن لعقد مؤتمرات الفيديو، وعلى الرغم من عدم وجوب سماع كل المقترحات والأفكار، لكن أصحاب المواهب لا يقبلون تجاهل أرائهم، فالموظف إذا استشعر وجود عائق ما في درب نموه وتطويره، أو أنه مجبر على انتظار فرصة للتقدم، فقد ينقل مهاراته إلى مكان آخر يساعده على تنمية مهاراته، فلابد للمسؤول من أن يتبنى تجارب وقصصا يكون فارسها، وبمساندة فريق عمله من الموظفين الذين يقترحون أفكارًا جديرة بالأخذ بها، بناءً على احتياجات يلمسونها من خلال عملهم، وبناء على ثقافتهم.

الأفكار التي تأتي من داخل المؤسسات وعلى أيدي موظفيها، هي التي تعالج القصور وتعيد ترتيب الأولويات في التطوير والابتكار، فالمسؤولون الذين لا يدعمون الأفكار أو يناقشونها لمعرفة جدواها على الأقل وتجريبها قبل تعميمها، لا بد أن يستوعبوا مقولة الشاعر «إني رأيت ركود الماء يفسده إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب.. والأسد لولا فراق الغاب ما افترست والسهم لولا فراق القوس لم يصب».

احتضان أفكار الموظفين ومناقشتها يعتبر أسلوبًا حديثًا في علم الإدارة، فالمسؤولون لابد أن يتبعوا خطوات لدعم أفكار موظفيهم ومقترحاتهم، ولا بد من وجود خطوات عملية وذات منهجية تحفز الموظفين على تقديم أفضل ما عندهم ولا تكون بطرق تقليدية، كوضع صندوق للمقترحات، أو أرسل مقترحك وستتم دراسته، فهذه الأساليب تحبط الموظفين أكثر من أن تشجعهم أو تحفزهم.

الحل لدعم أفكار الموظفين هو التفاعل وترسيخ مبدأ الشفافية وحفظ حقوق الملكية الفكرية للموظف، وإيجاد حاضنة لتلك الأفكار، ومنافشتها حتى إنضاجها، لتكون قيد التنفيذ الجيد والمدعوم من المسؤول.