قبل عشرين عاما كتبت مقالا طالبت فيه بخصخصة المدن الصناعية، وانطلقت من الرغبة في تطوير المدن الصناعية وتقديم خدمات متميزة للمصانع والصناعيين السعوديين وتطوير مدن صناعية جديدة وبخدمات متطورة، واقترحت وما زلت عند اقتراحي تمليك الأراضي للمصانع بعد عشر سنوات من تشغيلها وبشروط محددة ومنضبطة على أن تلتزم المصانع بدفع تكاليف الإدارة والتشغيل، وطالبت بأن تتحول قيمة خصخصة المدن الصناعية القديمة إلى صندوق خاص لتطوير مدن صناعية جديدة.

إلا أن طرحي واجه حملة انتقادات من بعض المسؤولين الحكوميين لدرجة أنه طلب مني التراجع عن طرحي والاعتذار عن الفكرة، ونظراً لقناعتي بخصخصة المدن الصناعية رفضت الاعتذار أو التراجع بل استمررت في إعادة الطرح في الندوات والمؤتمرات التي أحضرها، وكان سبب الرفض هو رغبة أولئك المسؤولين في التمسك بالصلاحيات والسلطات الواسعة، وليس لهم حجة قوية تبرر وجهة نظرهم. وعندما قررت القيادة السعودية إنشاء هيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية، كنت وما زلت سعيدا بهذا القرار الحكيم وتابعت نشأة هذه الهيئة وتطور أدائها إلا أن البداية لم تكن مشجعة بل كانت محبطة، واختلفت الرؤى، وواجهت بعض المعوقات حتى استلم إدارتها أحد الشباب الطموحين والمتميزين أخي معالي الدكتور توفيق الربيعة مدير عام الهيئة سابقا وزير التجارة والصناعة الذي أعاد الهيئة إلى الطريق الصحيح، وبدأنا نرى شعاع الأمل وبخطط جديدة أساسها توفير الأرض الصناعية بالتعاون مع الإمارات والأمانات في المناطق، وسعت الهيئة إلى توفير الخدمات والبنية التحتية الضرورية.

وردا على مقالتي في الأسبوع الماضي بعنوان المدن الصناعية وعقود الإيجار المجحفة فقد سعدت بالتجاوب السريع وبخلق رفيع وبلغة حوار برلماني من أخي سعادة المهندس صالح إبراهيم الرشيد المدير العام المكلف الذي هاتفني موضحا بعض المعلومات التصحيحية التي أجد أنه من الواجب نشرها تمشيا مع أمانة الطرح لسماع الرأي والرأي الآخر، حيث أفاد سعادته بأنه من واجب الهيئة المحافظة على أملاك الدولة ووضع الاشتراطات التي تحفظ حقوق الطرفين، ويكون العميل على علم واطلاع بكل الاحتمالات المتغيرة، كما أن بعض الاشتراطات وضعت للحد من المستأجرين غير الجادين الذين يتم التعامل معهم بكل حزم، أما المستثمرون الصناعيون فسيجدون كل التسهيلات والحوافز. وبنود العقود تختلف حسب نوع المشروع، فهناك عقود خاصة بالمصانع الملوثة، تختلف عن المصانع غير الملوثة، وهناك عقود خاصة بالمشاريع السكنية أو التجارية أو الخدمية وغيرها، كما أفاد بأن مدة إيجار أغلب العقود الصناعية 20 سنة وليست 10 سنوات كما ذكرت في مقالتي المبنية على معلومات من اللجنة الصناعية الوطنية، حيث يتم تحديد عقود العشر سنوات للصناعات الملوثة فقط التي قد يكون لها أثر بيئي ولكنها تعتبر صناعة مهمة لاقتصاد ونمو البلد، وعدد هذه العقود لا يتجاوز (13%) من العقود الموقعة، فالمشاريع الصناعية الملوثة تم تحديد مدة عقودها بـ10 سنوات قابلة للتجديد، مثل مصانع البلوك والخرسانة وغيرها، فهي مشاريع بالإضافة إلى أنها ملوثة فهي تعتبر مؤقتة تسترد رأس مالها في مدة أقل من خمس سنوات، ولا تحتاج إلى إنشاءات أو استثمارات كبيرة، أما أغلب المشاريع الأخرى وغير الملوثة ونسبتها (86%) فقد تم النص على أن مدة العقد 20 سنة قابلة للتجديد، وجميع المصانع المنتجة يتم تجديد عقودها تلقائياً، ولم يسبق أن قامت مدن بفسخ عقد أي مصنع ملتزم بالاشتراطات المتعاقد عليها.

كما أفاد سعادته بخصوص ما ورد في المقال من أن إنشاء المصنع يتطلب من 4 إلى 6 سنوات فهذا غير صحيح إذ إن أغلب المصانع بدأت الإنتاج خلال سنتين من توقيع عقد الإيجار وهذا ما ينص عليه العقد.

كما اتفق سعادته مع طرحي قائلا إننا نتفق معكم أن صياغة المادة العاشرة والبند الرابع قد تحتاج إلى توضيح وتفصيل، حيث إن القيمة الإيجارية ثابتة طوال مدة العقد ولا تتغير، أما مقابل تكلفة التشغيل والصيانة فهي متغيرة حسب العقود المبرمة مع مقاولي التشغيل والصيانة والأمن والبيئة وغيرهم، وهي تخضع لتكلفة عقود الهيئة مع الشركات التي تقدم خدمات الصيانة والتشغيل والتي تقدر تكلفتها حالياً كمتوسط بـ 4.5 ريالات، وتتحمل الهيئة الفرق في التكلفة كدعم للقطاع الصناعي حيث إن أسعار التأجير حالياً الموقعة هي بين (1-2 ريال) للمتر المربع سنوياً.

أما الخدمات التي لا يحق للمستأجر رفضها فالمقصود بها الخدمات العامة التي لا يمكن لأي منشأة في المدن الصناعية الاستغناء عنها وبالتالي رفض دفع تكلفتها مثل: الخدمات الأمنية، المياه والصرف الصحي، صيانة ونظافة الطرق، الإنارة وغيرها من الخدمات الأساسية، وهي تدخل ضمن القيمة الإيجارية في جميع العقود الموقعة حالياً التي لا تتجاوز 2 ريال/م2، وللعلم فإن أغلب عقود المصانع القائمة قيمتها التأجيرية ريال واحد فقط.

كما أكد سعادته أنه تجاوبا مع الملاحظات التي أشرت إليها في مقالتي السابقة أن "مدن" تؤكد أنه سيتم تعديل صياغة البنود بما يزيل اللبس ويحقق رضا شركائها في النجاح، وفي الختام ثمن سعادته الطرح المبني على الاهتمام بالقطاع الصناعي، وأشار إلى أن صيغة العقود الإيجارية تهدف إلى ضمان تنمية الصناعة في المملكة وأن تكون دولة صناعية رائدة ضمن العالم الأول.

وأخيرا أقدم شكري للأخ صالح الرشيد مدير عام هيئة المدن الصناعية على تجاوبه ولفتته البرلمانية، وأتمنى أن يقتدي به بعض المسؤولين الذين توجه لأجهزتهم بعض الانتقادات فينفعلون إلى حد التوتر الذي يؤدي إلى فقدان لغة الحوار البرلماني.