فقد العلم البروفيسور عبد الرحمن محمد الأنصاري رحمه الله في شعبان 1444، بعد معاناة مع المرض وغياب عن التذكر، نعاه أساتذة وعلماء وطلاب كثر في وطننا المملكة العربية السعودية لما له من مكانة رفيعة في علم الآثار والتاريخ مؤلفاً وباحثاً ومعلماً، كان أستاذاً متميزاً وذا خلق رفيع في التعامل والمعاملة سواء أكان عميداً أو برلمانياً في مجلس الشورى.

أنا أحد تلاميذه في جامعة الرياض التي تحولت لاسمها القديم جامعة الملك سعود بأمر الملك خالد بن عبد العزيز رحمه، قبل بضع عقود قاد الطيب الأنصاري عشرات من الطلاب والمعيدين وأساتذة التاريخ والآثار في رحلة علمية استكشافية لموقع أثري اسمه الفاو، وهو على بعد قرابة 700 كيلا من الرياض وقريب من بلدة السليل، كنت للتو طالبا في السنة الثانية في قسم التاريخ، وكتب الله أن أكون ضمن فريق البحث والتنقيب في الفاو. نصبنا عددا من الخيام وتم رسم خطة العمل من قبل الدكتور الأنصاري وبهمة الطلاب وكنا شبابا، كان برنامج العمل الاستيقاط لصلاة الفجر ثم الذهاب للموقع المحدد، تم تخطيط مسار العمل من خلال مربعات خصص كل منها لخمسة طلاب تحت إشراف أستاذ من أساتذة التاريخ والآثار، تم الاستعانة بعمال من الإخوة اليمنيين لحمل التراب المتكون من الحفر ونقله إلى مناخل لغربته والحصول على أي لقائط من الفخار أو أي موجودات، كان العمل مستمرا من بعد صلاة الفجر حتى السابعة ليكون الجميع على مربعات لتناول طعام الإفطار، ثم العودة للعمل حتى الظهر ثم راحة للغداء ليستمر العمل لاحقا إلى قبل المغرب ثم العودة لتدارس ما تم والسماع لتوجيهات الأساتذة، استمر العمل في موقع الفاو شهرا كاملاً حتى تلونت أجسامنا بلون التراب، كنت محظوظاً أن كنت تحت إشراف مباشر من أستاذي الأنصاري رحمه الله، حيث كنت نشطا في الحفر، وكان يقعد معي في موقع المربع المخصص ويمسك بالمسطرين ليعلمني كيف أبعد التراب برفق عن أي شيء يظهر أنه أثر، وبالصدفة عثرت على جمجمة بشرية لكن مع قوة شربي الكريك كأنه حصل ثقب في الجمجمة، وانزعج مني وتم بمعاونة منه استخراج الجمجمة سليمة، لقد وجدنا مكتشفات أثرية كثيرة هي في متحف كلية الآداب.

لطول المدة الزمنية فلم أعد أتذكر من زملاء رحلة الاكتشاف في الفاو سوى الزميل عبد الرحمن أبو ملحة وفهد السليم وهما ما زالا بحمد الله في صحة وعافية، أشعر وأعتز بكل الفخر والاعتزاز بأستاذي عبد الرحمن الأنصاري وبابنته الطبيبة البرفيسورة لبنى التي عاشت وعايشت مرض والدها، وكنت على تواصل معها طول فترة مرضه، وتركت عملها في منظمة الصحة العالمية في جنيف لتكون مع إخوتها إلى جانب والدها.

لكن التاريخ والفضل لن ينسى مواقف النبل والشهامة من الأمير سلطان بن سلمان مع الدكتور الأنصاري، وكما قال الشاعر الحميري محمد بن حمير الهمداني:

لعمرك ما الرزية هدم دار ولا شاة تموت ولا بعير

ولكن الرزية موت حر يموت لموته بشر كثير