لا قيام لدولة بدون غذاء ودواء وسلاح، كي تحمي نفسها من الابتزاز والضغط والتعرض لما لا يحمد عقباه، خاصة إذا مر العالم بحروب غذاء مختلفة، ولسنا بعيدين عن بعضها؛ ففي عام 2008 حدثت أزمة عالمية في الغذاء، وتسببت في منع كثير من الدول من تصدير الغذاء أو تقنين ذلك، مثل الهند التي أوقفت تصدير الأرز مما أدى إلى ارتفاع أسعاره بما يقارب %217، وكذلك حدث مع القمح خلال الأزمة نفسها حيث ارتفع بـ %136، والذرة بنسبة %126، والمخيف أن كل هذا حدث خلال سبعة أشهر فقط!

ولعل من أهم أسباب هذه الأزمة ارتفاع أسعار النفط الذي بلغ أسعارًا غير مسبوقة تجاوزت 140 دولاراً للبرميل الواحد، ما أدى إلى سعي كثير من الدول لتحويل بعض المنتجات الغذائية كقصب السكر والذرة إلى إنتاج الوقود الحيوي، وبالتالي حدث شح في كمياتها.

ثم تكررت هذه الأزمة بأسباب مختلفة؛ ففي عام 2022 خلال الحرب الروسية الأوكرانية أصبحت الحرب أحد أكبر الأسباب؛ لأنها سحبت وراءها أسبابًا أخرى مثل التضخم العالمي، وارتفاع أسعار الفائدة، وارتفاع أسعار الطاقة، وأسعار البذور والأسمدة، ومشاكل سلاسل الإمداد، علاوة على حالة عدم اليقين التي تضرب الاقتصاد العالمي التي يتوقع استمرارها خلال 2023؛ ولذلك فمن شبه المؤكد أن هذه الأزمات ستستمر وقد تتوسع وتأتي بأشكال مختلفة ومع أزمات أخرى إن لم نكن مستعدين لها.

وبقراءة سريعة لحجم الواردات الغذائية السعودية نجد أن المملكة العربية السعودية تستورد سنويًا مواد غذائية بأكثر من 100 مليار ريال منها حوالي 18 مليون طن حبوب فقط كالقمح والذرة والشعير، ومن المتيقن أن تزداد كمية بعض المستوردات من المواد الغذائية خلال الأعوام القادمة بحوالي %100؛ لذا لا بد من معالجة هذا الوضع بشكل عملي قوي سريع مستمر وذكي.

هذه المعالجة تكون من خلال إستراتيجيات الأمن الغذائي الداخلي والخارجي، ولا أريد الحديث عن الهدر الكبير والمؤلم للغذاء الذي قد يصل إلى أكثر من %30 مما نزرعه وننتجه ونستورده، فهو فضلا عن كونه إهانة للنعمة، وجحودًا لشكر الرازق سبحانه، فيه هدر شديد للمال، وتبديد للثروة الشخصية والوطنية، ولعل في مقالي المنشور في 26 يناير الماضي بهذه الصحيفة تحت عنوان: (ماذا نريد من الهيئة العامة للغذاء) من التفصيل ما يكفي عن التكرار هنا، ويمكن الرجوع إليه.

يتبع...