لكل إنسان في هذه الحياة طريقه الذي يسلكه نحو القمة، لكن هذا الرجل صاحب (القلب الأخضر) اختار (السيل) كي يتحداه ويتلافى عمقه وبرده وقوته وما قد يحمل من (جذوع) النخيل والأشجار !

لقد واجه (د.علي عبدالخالق القرني) كاتب هذه الرواية (سيولا) عدة في حياته، بعضها كان يوشوسه عنها الغيم والمطر، وبعضها يقبل زبدها بعد رعد خفيف، لكنها كلها كانت تأتي كما (يدقل) السيل ليغير معالم كل شيء، فتنتقل معه منذ أول الرواية حتى آخرها وأنت تعبر معه سيول سبت العلاية ووادي بيشة ووادي وج، وحتى سيولا أخرى في الرياض بين بيوت الطين في البطحاء والثميري وثانوية اليمامة ووزارة المعارف ومدارس المملكة ومكتب التربية لدول الخليج العربي !

ولأن بطل الرواية عنيد جدا ومغامر وطموح وعاشق، عبر حتى سيول ولايات أمريكا وعشق من أول نظرة على بوابة (لاغوارديا) وفي شوارع (دنتن) بتكساس، وترك في ماديسون بـ(ويسكانسن) قصة عظيمة لطموح شاب سعودي تحداه أستاذه ليصقل تجربته في فرن (بيكر) فعبر السيل كأشجع الشجعان، ولم يرضخ لبلله وأمواجه، حتى تخرج دكتورًا كاد أن يحلق مع أستاذه في طائرته الخاصة لكن الله سلم !

وبطل الرواية التي هي سيرته الذاتية ينتقل بك سرده ليعرفك على شخصيات مختلفة بعضها كريم ونبيل وآخرون قلة وقفوا حجر عثرة في طريق نجاحه !

ومع ذلك كان منتصرًا دومًا، إذ تكتشف أن السيل كان مقدمات لأحداث سعيدة كان أحدها صدور قرار تكليفه مشرفًا تربويًا بقرار خاص من الوزير الخويطر على ورقة خاصة أرسلها لقائد شجاع مختلف عن الآخرين هو سياف بن عامر آل خشيل بعد كر وفر بين نبلاء محفزين وحمقى معقدين !

منهم (ذاك) الذي مهر معاملة طلب مكتب شخصي في مقر الإدارة التي لم يرحب به فيها دكتورًا أشادت به جامعته في أمريكا بعبارة (من هذا ؟) فأصبح مديرها !

وبطل الرواية أيضًا شاعر وعاشق لا يمكنك حبس تفاعلك معه وهو يصف حماسه مع راعية الغنم وقصة الخفقة الأولى، ثم رحلته المبكرة إلى بلجرشي ودموع أمه تودع صغيرها وهو للتو نجح في الصف السادس، وأب يكتم عبرته ويباعد بين خطواته كي لا يفضحه حزنه أمام طفله الذي يريده رجلًا ناجحًا منذ صغره !

لذا نسج (البطل) حزنه ولوعته وهو يصف كيف تركه والده طفلًا ويترك قلبه معه عند أصدقائه في بيشة وبلجرشي، ثم في الرياض والطائف في رحلة العلم والنجاح !

إنها قصة طويلة دامت أكثر من 60 عامًا بدأها صاحب (القلب الأخضر) تحت شجرة صغيرة في مراعي سبت العلاية بمحافظة بلقرن، ثم تحت نوافذ الغرام بين بيشة والطائف التي خطفت قلبه أخيرًا، وجعلته معلقًا مع (البدر) الذي أشرق على حياته منذ أول لقاء !

قلبه الذي كان يعرف كيف يجعله أبيض قاسيًا عندما يتعلق الأمر بمستقبله وطموحاته وحقوقه منذ التحاقه معلمًا بمدرسة العلاية ومعهد المعلمين حتى قيادته بعد عقود مدارس (المملكة) مع الأمير الوليد بن طلال !

مفسرًا وشارحًا في آخر فصول الرواية قصة التعليم في المملكة وكيف كانت تدار الأمور وكيف أصبحت وماذا تحتاج لتنجح!

إنها رواية تصلح لتكون فيلمًا يحكي عن حياة القرى، وقصص التحدي والنجاح كتبها أحيانًا صاحبها بحبر الشعر، واضحًا صادقًا مع قلبه وقلمه وذكرياته، ساردًا كيف كبرت معه هذه (السعودية) وتطورت وفاقت غيرها لأن فيها مثل (علي) ممن تعلموا في مدرسة الحياة وعرفوا كل شيء ونجحوا في كل فصل جديد في حياتهم!

(علي) (جمل كل بلاد) و(سَفَرة الديرة) الذي برَع في كل تحدٍ، لكنه لم ينجح في تجاوز الذكريات، ولم يتعلم كيف يودع أحبته الذين يرحلون فجأة، وجعلك تمسح دمعاتك شاعرًا وأنت تقرأ الفصل الأخير ماذا يعني أن يفقد المرء أعز ما لديه في هذه الحياة: أباه وأمه !

رواية (السيل) طويلة نوعًا ما ورسم غلافها رسام حشر السيل في الجبل وجعله بلا نهاية، ومع ذلك ستستمتع وستجعلك تبتسم كثيرًا وتفرح، لكنها أيضًا ستترك لك تحذيرًا بين صفحاتها لتحرص على أن تكون علبة المناديل بجانبك، ففيها لحظات يتعملق فيها الحدث ليجعلك تبكي كما يبكي الأطفال، وأنت تتذكر أيامًا وذكريات عشتها كما عاشها بطل السيل !

وتندهش من أحداث فيها لهذا المغامر الصغير الذي ألقى بدراجة زميله وعبر السيل وكان أقرب للموت منه للحياة، وإن كنت قرويًا عاش بين سبت العلاية والروشن، أو بيشيا ستجد ذكرياتك منثورة أمامك بين نمران والداخلي والحرف وسيل وادي بيشة و(تنزانيا)!

ستتعرف على (السيل) الذي عنون به (القرني) الرواية، وستخوضه معه، وستتبلل بالشعر والعشق والغزل ورائحة الكتب وصرير الأقلام وغبار (المهمل) وشتاء (ماديسون)، وتغني وترقص وتبكي وتبتسم لما صنع القدر، وتحزن وتفرح وتعرف أن الحياة مليئة بالقصص والمواقف والبطولات، وفيها من يقف معك ومن يخذلك، وأن عليك أن تعيش وتصبر وتثق بأقدار الله وحكمته، وتحلم بغد أجمل ويومًا ما -مهما كانت قوة السيل- ستصل!.

إبراهيم عواض الشمراني