‏عاد مسلسل «طاش ما طاش» ليجمع الأسرة السعودية من جديد على مائدة الإفطار في شهر رمضان بعد انقطاع دام لأكثر من عشر سنوات، وهو العمل الدرامي الأهم في الوطن، وضوء التنوير المرئي في زمن الظلام الصحوي وما خلفه من ركود فكري أثر سلبًا في المجتمع وأفراده.

‏لا يخفى على الجميع كمية الهجوم الذي طال العمل بجميع طاقمه منذ أن بدأ عرضه في عام 1993 ‏تقريبًا أي خلال العشرين سنة السابقة لتوقفه عام 2011، هجوم بالفتاوى وعلى المنابر، وتحريض بالإيذاء، ‏انتهى بتكفير طاقم المسلسل وتحريم مشاهدته ومحاربة القناة التي تعرض العمل، ‏وعلى الرغم من ذلك استمرت نجاحات العمل تتوالى بإصرار وتحدٍ يفوق موجة التطرف التي طغت ‏واستبدت آنذاك. وكعمل ناجح كان من المؤسف جدًا ألا يقيم العمل وينتقد ويحلل ‏فنيًا، لا أن ينظر إليه بعين التطرف التي لم تترك مساحة لتناول أدوات نجاح العمل بدءًا من السيناريو والحوار والتمثيل والإخراج، فظلم العمل‏ بهذا الإهمال مرة أخرى. ومن يعود إلى حلقات المسلسل بأجزائه السابقة سيلاحظ قوة الحوار في السيناريو لحلقات تعتبر بمثابة الفيلم السينمائي في النص والفكرة التي اعتمدت عليها ‏الحلقة الواحدة. إحدى أدوات النجاح الأخرى أيضًا والأهم والأقوى في هذا العمل هي (الواقعية) ‏التي لا يستطيع أحد ما أن ينكرها أو يشكك بها لهذا استمر النجاح.

‏نجح العمل أيضًا لأنه نقل الهوية السعودية بتنوعها المناطقي / الجغرافي المتعدد إلى معنى الوطن الواحد باختلاف ثقافاته ولهجاته، ونجح أيضًا لأنه يشبهنا وينقل أفكارنا وذكرياتنا إلى فضاءات العالم التي أيضًا تفاعلت معه وانصهرت معنا. نجح أيضًا هذا العمل لأنه نشر الفكاهة، وأشاع البسمة في زمن التجهم، أيضًا نشر التنوير بلغة سهلة غير متكلفة عبر أبسط الشخصيات في المجتمع، ونجح أيضًا لأنه رفض صوت الفساد والظلم الذي ‏انتشر في العديد من دوائر العمل باستغلال المناصب والنفوذ والرشوة والتزوير.

‏مسلسل طاش ما طاش هو مادة التنوير في زمن الظلام، نعم كان لا بد من عودته لإتمام دوره في نقل واقع الحياة بعد إطلاق (رؤية 2030) والتي وصفت هي الأخرى بأنها قرارات (القابض على دينه) ‏وقرارات نهاية الزمان من قبل بقايا معتنقي الفكر الصحوي والمتعاطفين معه.