أزعم أنني غير منحاز للشرق على حساب الغرب، لكنني زرت الصين وزرت الكثير من الدول الغربية، وأجد أن القيم المشتركة بيننا كشرقيين، تجعل التعاون السعودي الصيني موعودا بمستويات أعلى من الشراكة. أقولها وأنا أشاهد هذا الأسبوع توقيع عملاق الطاقة العالمي شركة أرامكو، اتفاقيات استحواذ وشراكة، مع شركتي هواجين للبتروكيماويات، وشركة رونغنشنغ للبتروكيماويات المحدودة، والتي تضمن توريد أكثر من 700 ألف برميل نفطي إضافية، بشكل يومي إلى الصين، بالإضافة إلى متوسط الصادرات اليومية السعودية من النفط للصين، والتي بلغت خلال العام الماضي، ما يقارب مليوني برميل نفط يومياً.

الاقتصاد الصيني سيصبح أكبر اقتصادات العالم، في حدود نهاية العام القادم 2024، كما أن الصين هي أكبر الدول استثماراً في الطاقة، بشقيها التقليدي والمتجدد. هذا بالإضافة إلى جانب النمو السريع للصناعات الوسيطة الصينية، وسوق الأغذية التي تحتاج بلا شك إلى استصلاح كبير للتربة الصينية، باستخدام المغذيات الزراعية، التي تحتاج الصين لاستيرادها وتطويرها.

يرى الخبراء الاقتصاديون أن الصين ستبلغ ذروة نموها بحدود 2040، وستبدأ بعد ذلك بالتراجع الاقتصادي، غير أن هذا محدد فقط بالطريقة التقليدية للقوى العاملة، بسبب بلوغ نسبة كبيرة من الشعب الصيني معدلات الشيخوخة، وبالتالي بقاؤهم على ما تدفعه لهم الدولة، من اشتراكات التأمينات الاجتماعية والتقاعد. غير أن هذا حتماً لن يكون الحال لسبب بسيط جداً، وهو أن الذكاء الاصطناعي، الذي تستثمر فيه الصين اليوم، سوف يغير خارطة العمل والعمال في العالم، خلال أقل من 10 سنوات، على أن تكون الغلبة لرؤوس الأموال الصينية. في حين أنها ستبقى بحاجة إلى مصدر مستدام وموثوق، لا يتأثر بأحوال الطقس والمناخ، ويمكن أن يستخدم في تطبيقات عديدة.

هذا هو جانب من الفوائد، التي تحتاج الصين لتأمينها خلال العقود القادمة، ولا يوجد في المقابل شريك موثوق مثل أرامكو السعودية، التي أثبتت من خلال العلاقات الطيبة مع الصين في تعاوناتها القديمة في مصافيها، بأنها شريك وفيّ ولا تتأثر سلاسل إمداده تحت أي ظرف، حتى من تلك التي تعرّضت لها أرامكو سبتمبر 2019، من خلال الهجوم الإرهابي الآثم والذي ضرب مصافي بقيق آنذاك.

السعودية التي يمثّل النفط 70% من نسبة تبادلاتها التجارية مع الصين، تطمح إلى الابتعاد بعيداً عن استهلاك النفط كوقود، في ظل توجه العالم حالياً نحو الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية. لكن العالم لن يجد بُداً من استخدام البلاستيك والبوليمرات، في مواد تلك السيارات الكهربائية، وزعانف وأجسام مراوح توليد الطاقة الكهربائية من الرياح. كما أن خلايا الطاقة الشمسية هي الأخرى، مصنوعة من بوليمرات تحتاج في موادها الأولية، مواد نفطية وبتروكيماوية.

من هنا تأتي أهمية مشروعات أرامكو، مع شركتي هواجين للبتروكيماويات، ورونغنشنغ للبتروكيماويات المحدودة، لتحويل النفط الخام إلى بتروكيميائيات بخطوة مباشرة، لإنتاج ما يقارب 4 ملايين طن متري سنوياً، من البلاستيكات الهندسية التي تنتج البولي إيثلين، المستخدم في قطاع عريض من مواد التغليف، والسلع القابلة للتدوير وإعادة الاستخدام. وأيضاً مادة البارازايلين، التي تستخدم كمادة أولية مهمة في صناعة حامض الترفثالات، ومنه ينتج البولي إيثلين ترفثالات PET، وهو الذي يستهلك يومياً في تغليف الأغذية، وقناني المياه والبوليسرات النسيجية، والألياف الهندسية في الإنشاء والصيانة.

كل تلك الخطوات تأتي لتضمن لأرامكو بالشراكة مع الصين، ملايين الأطنان من المواد القابلة للتدوير، مقابل أقل من مليون برميل نفطي يومياً، وهو ما يعزز من مكانة النفط كمادة خام للصناعات البتروكيمياوية. كما أن تلك الخطوات تصب في استراتيجية أرامكو، لتحويل 4 ملايين برميل من النفط يومياً إلى بتروكيماويات.

في الحقيقة، السعودية ومن خلال أرامكو وشركاتها الوطنية الأخرى، تمضي بقوة وثبات نحو تحقيق خطتها، في خفض الاعتماد على النفط الخام كمصدر للدخل، وهو ما يعني أن الاقتصاد السعودي، موعود بقفزات نوعية بعد العام 2030 رغم تأثر الاقتصاد حالياً بأزمة التضخم، التي أتت على كل المنتجات الاستهلاكية، وأرهقت جيب المواطن.

نحن متفائلون، ولا بد للسعوديين أخذ هذا الطريق السريع للسباق مع الزمن، نحو التحول بعيداً عن المنتج النفطي، الذي أهدته لنا الطبيعة، لنضع فيه خبراتنا وتقنياتنا وعقولنا، مع شركائنا الموثوقين وعلى رأسهم الصين. وباعتبار ما سبق يحق لنا أن نتساءل، هل نحن أمام تحالف سعودي-صيني طويل الأمد؟.. شخصياً أرى ذلك يلوح في الأفق.