التأكيد على مفهوم المساواة كحق أساسي من حقوق الإنسان، نجده في كثير من الاتفاقيات الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان: المادة «1»، «2»، «7» من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمواد 2، 3، 26 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والفقرة «2» من المادة 2، وكذلك المادة 3 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.

كما أن هناك اتفاقيات متخصصة لمبدأ المساواة، كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم.

كذلك نجد هذا الحق منصوصا عليه في الاتفاقيات الإقليمية كـ: إعلان حقوق الإنسان لدول مجلس التعاون الخليجي في مواده «2، 32»، والميثاق العربي لحقوق الإنسان في مواده «2، 9، 35»، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان في مواده «2، 3، 28»، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في موادها «1، 24»، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في المادة 14، وغيرها من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المعنية بهذا الشأن.

ورغم ذلك، يشهد مفهوم «المساواة» في أدبيات القانون الدولي لحقوق الإنسان جدلا واسعا، حول ماهيته وكيفية تطبيقه. بسبب أنه لا يمكن تحديد ماذا نعني بالمساواة: هل نعني بذلك أن الناس يجب أن يعاملوا بالطريقة نفسها؟ أو أنه ينبغي أن يحصلوا على فرص متساوية؟ هل تطبيق مبدأ المساواة يؤدي إلى العدالة والإنصاف؟

أمام هذه التساؤلات قد نجد ما قاله الروائي الفرنسي إناتول فرانس مضحكا:

«مراعاة للمساواة، يحرم القانون بهيبته على الأغنياء والفقراء على حد سواء، النوم تحت الجسور، والتسول في الشوارع، وسرقة الخبز...».

من المشاهد التهكمية التي تناولت غموض مفهوم المساواة، أحد الرسوم الكاريكاتورية التي كان فيها أستاذ يجلس على الطاولة، وأمامه أنواع مختلفة من الحيوانات: سمكة في وعاء، وقرد يأكل موزا، وبطريق وثور، وأسد، تنظر إلى الأستاذ بدهشة، وهو يقول لها جميعكم متساوون دعونا نرى من ينجح في صعود الشجرة.

ولسد هذ الفجوة بين النظرية والتطبيق، تم التفريق بين المساواة بحكم القانون، والتي يطلق عليها «المساواة الرسمية»، والمساواة بحكم الأمر الواقع، والتي يطلق عليها «المساواة الجوهرية». فالمساواة الرسمية يُفترض أنها تتحقق إذا تعامل القانون بطريقة محايدة مع الجميع، فهي مساواة تُركز على الإجراءات بغض النظر عن النتيجة.

ويرتكز هذا المفهوم على فكرة أنه يُفترض على الدولة، ألا تعطي ميزة لأي فئة من المجتمع أمام القانون، لأنهم سوف يُعاملون بالتساوي، يؤخذ على هذا المنظور أنه لا يعير اهتماما إلى الاعتبارات الإنسانية للآخرين، إذ إنه لا يعدو أن يكون إلا عبارة عن «انتصاف إجرائي». لذلك، جاءت فكرة المساواة بحكم الأمر الواقع، أو ما يطلق عليها المساواة الجوهرية، فهذا النوع من المساواة يؤكد أهمية عدة قيم منها: الكرامة الإنسانية، وعدالة التوزيع، والمشاركة المتساوية، ولتحقيق هذه القيم أكدت على أن هناك نوعين من أنواع المساواة: «المساواة في الفرص»، و«المساواة في النتيجة».

المساواة في الفرص تعني أنه لا يكفي فقط، أن نعامل الناس بالتساوي، ولكن أيضا أن نمنحهم الفرص نفسها، ويكون ذلك بإزاحة العقبات أمام الجميع.

من مظاهر المساواة في الفرص نجدها في المادة 42 من نظام العمل السعودي، والتي نصت على أنه: «على كل صاحب عمل إعداد عماله السعوديين، وتحسين مستواهم في الأعمال الفنية والإدارية والمهنية وغيرها...» الغرض من منحهم فرصة التدريب بالتساوي، هو لتحسين مستواهم الوظيفي. كذلك في المادة 29 والتي نصت على أنه: «إذا أصيب أي عامل إصابة عمل، نتج عنها نقص في قدراته المعتادة، لا يمنعه من أداء عمل آخر غير عمله السابق، فإن على صاحب العمل الذي وقعت إصابة العامل بسبب العمل لديه، توظيفه في العمل المناسب بالأجر المحدد لهذا العمل، ولا يخل هذا بما يستحق من تعويض عن إصابته». هنا نجد أن العامل المصاب إصابة عمل، نشأ له أثر قانوني في منحه فرصة أخرى عند صاحب العمل، في توظيفه بوظيفة تتناسب مع قدراته.

المساواة في النتيجة تذهب أبعد من ذلك، إذ إنها تفترض أنه لا يكفي أن تعامل الدولة جميع الناس بالتساوي، ولا يكفي أن تمنحهم فرصا متساوية فقط، بل في بعض الأحيان عليها أن تتدخل في حماية حقوق بعض فئات المجتمع، نجد ذلك، على سبيل المثال، في المادة 26 من نظام العمل، والتي نصت على أنه: «على جميع المنشآت في مختلف أنشطتها، وأياً كان عدد العاملين فيها، العمل على استقطاب السعوديين وتوظيفهم، وتوفير وسائل استمرارهم وإتاحة الفرصة لهم، لإثبات صلاحيتهم للعمل عن طريق توجيههم وتدريبهم وتأهليهم للأعمال الموكولة إليهم»، كما «يجب ألا تقل نسب العمال السعوديين، الذين يستخدمهم صاحب العمل عن 75%....» وكذلك ما جاء في الفقرات «6»، «7»، و«8» من المادة 9 من اللائحة التنفيذية لنظام العمل، فيما يتعلق بالعاملين ذوي الإعاقة. إذ نصت الفقرة «6» من المادة 9 من ذات اللائحة، أن العاملين ذوي الإعاقة، يتمتعون بجميع حقوق ومزايا العاملين الآخرين المنصوص عليها في نظام العمل.