امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي باحتفاء كبير مع تولي من لمع اسمه في عالم الكتابة، فعبّر عن السعوديين طويلًا في مقالاته، تكلمت سطوره باسمهم، منافحة ومدافعة عنهم، بشراسة منقطعة النظير عن رؤية المملكة العربية السعودية، وأعطى تقديره للمغرّد السعودي، فقدّر فيه حرصه على الوطن، والانتماء إليه، دون وجل، وهو الذي انحاز إلى وطنه وهويته، ومصالح دولته الاستراتيجية، إنه وزير الإعلام الجديد سلمان الدوسري حفظه الله.

طرح آراءه وأفكاره بكثافة تدل على قلم سيال وقريحة متوقّدة، وهو ما قرّبه إلى المجتمع، مساهمًا في رفع الوعي، عبر رحلة طويلة من التجارب، فصُقل في خضمها، يحضرني مقاله (جماعة أزعجتمونا بالصحوة) الذي شدد فيه على أنَّ: «من الجهل توقع زوال الظواهر بشكل سريع، مهما كانت الرغبة والجهود» كان مدركًا بصورة لافتة لامتداد المعركة ضد التطرف، والظلامية، إلى ما بعد لفظهم سياسيًا واجتماعيًا، فمثل تلك الظاهرة لا يمكن تجاوزها بين ليلة وضحاها، والدعوات لصرف النظر عن إتمام ما قد شُرع فيه، إنما هي دعوة لتوقع نكسات، وإعطاء أمل لرؤوس المنهزمين، كي تطل من جديد.

عرف الوزير وهو يخوض معاركه في الدفاع عن رؤية السعودية ومصالحها بأنَّ الإعلام سلاح أساسي إلى جانب العملية السياسية، بل لا يتوقف عندها حتى يمتد إلى المعركة الثقافية التي خاضتها السعودية، ضد من سعوا لاختطافها عن العالَم، كما أنَّ الإعلام بوابة للأعمال الفنية التي تحمل في طياتها مضامين ثقافية، ورسائل اجتماعية وفكرية للفظ الظلامية والتطرّف، لتطبيق رؤية السعودية بعيدة المدى، فلم يكن غريبًا على الناس أن تنفّسوا الصعداء وهم يشاهدون من يحمل هذه النظرة فينال الثقة الملكية عن استحقاق، ليضحى وزير الإعلام، فهو الآن وزير صوت السعوديين وكلمتهم، ولطالما كان هو ذلك الصوت.

في إحدى مقالاته اقتبس قول الفيلسوف الفرنسي بيير أندريه تاجييف بأنَّ «الديماجوجى يهدف إلى تضليل الآخرين بينما الشعبوي يبدأ بتضليل نفسه»، وهو ما حرصت سطوره على محاربته، بضرورة النظر إلى الصالح العام، دون أيِّ تضليل للشعب، دون تلاعب على وتر عواطف الناس على حساب رفع مستواهم الفكري والثقافي، والفني، فالإعلام الحقيقي رسالة، تتلاقى مع الناس، دون أن تحرفهم عن رؤية الأمور كما هي عليه، تهذب أذواقهم، ترقّيها، دون انحطاط.

كان تولي الوزير، رسالة شديدة اللهجة إلى الظلاميين، بأنَّ كنانة السعودية قد أبقى الله فيها من لا تلين قناته، وأنّه قد جاءهم من عرفوا منه النقد لا إشاحة النظر، والتفنيد المتكرر، لا التناسي والإهمال، وأنَّ معركته معهم طويلة الأمد، لا يستكين وإن استكانوا، ولا يهادن وإن هادنوا، حتى يجعلهم في التاريخ حق اليقين، بلا أمل لديهم في عودة، إنها عملية طويلة لا تكتفي بلفظ الظلامية من الفضاء المعرفي والثقافي والاجتماعي في السعودية، بل تمتد إلى إقامة الأنساق الفكرية والثقافية والفنية البديلة، التي تتطلع إلى مستقبل يسير وفق رؤية المملكة 2030، بحيث يكون الإعلام بديلًا عن خطابات اختنق بها الجو المعرفي والثقافي ردحًا من الزمن، فهو يحفز المعرفة العلمية، في مقابل التبخيس منها وتشويهها في كثير من الأحيان كما سعت له الدعاية الإخوانية والفروع المتأثرة بها.

إنه رسالة لتعزيز الثقافة لا التقوقع والانعزال، الذي كان هاجس الدعوات الظلامية، وفي الحين نفسه يمتد إلى الجذور التاريخية والحضارية للسعودية، فيصورها بأفضل ما يكون، فيجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهو منافحة شرسة عن مصالح السعودية في وجه من حام حول المساس بها دون أدنى قبول بصوت نشاز لهذا الخط في الصرح الإعلامي السعودي.

إنَّ أكثر التحديات التي يمكن أن تواجه المؤسسات عمومًا هي البيروقراطية النخبوية بأن تكون في يد منعزلين عن الواقع الحقيقي، لذا فإنَّ ضخ دماء جديدة فيها يكون ضروريًا لتحديثها، ورفع كفاءتها، بوضع من لامسوا الواقع الحقيقي، بالتفاعل معه، والانخراط في المشكلات الملموسة عن قرب، وهي التي قد لا تراها نخب معزولة، ومما يبشر بخير لأي مطالع هو ذلك الجهد الكبير الذي كان عليه الوزير قبل توليه منصبه الحالي، حين كان منخرطًا في واقع الإعلام، من وسائل التواصل الاجتماعي، إلى المقالات، إلى المجلات، إلى الاطلاع على الإعلام المرئي، هذا التوسع العملي في الخبرة التي اكتسبها، تزرع في السعوديين الأمل بأوسع ما يكون لما يمكن أن يصبو إليه إعلامهم في عهده.