لا يكاد أحدنا إلا وقد لازمته عقدة ما، فغيرته. حجم هذه العقدة وشدة تأثيرها، يختلف من شخص لآخر، ومعظمها ينشأ خلال أول خمسة أعوام من عمر الإنسان، وعادة تتعلق بأساليب التربية الخاطئة، أول صدمة يتلقاها الطفل هي فطامه، حيث كان قريبا من قلب أمه، يسمع دقاته، يلامسه دفئها، ويملأ عينيه من ملامحها حتى يغلبه النوم، فإذا جاء وقت فطامه فقد ذلك كله، فيتخذ من البكاء وسيلة للنوم حتى ينسى. ولتخفيف صدمة الفطام، وجب على الأم - وهذه بدهية - أن تتدرج فيه، لا أن تفاجئ الطفل الذي يكوِّن مشاعره عبر أمه، فكيف إذا نشأ بلا أم! ممكن أن يصيبه اكتئاب وانطواء في كبره. بعد مرحلة الفطام تبدأ الأم بتدريب طفلها وتعليمه لاستخدام دورة المياه، وتخطئ كثيرٌ من الأمهات في البدء بذلك مبكراً، فتقسو على طفلها، وتوبخه إذا فشل بالتحكم، ما يعرضه للإصابة بـ «الوسواس القهري» الذي يظهر في كبره على شكل «هوس بالنظافة». والأفضل دائماً أن يبدأ التدريب ما بين سنتين إلى ثلاث سنوات من العمر، برفق ولين وسعة صدر، فالأطفال لا يشبهون بعضهم وإن كانوا أخوة، فلكل طفل قدراته.

ما بين الثالثة والخامسة، يتعلق الابن أكثر بأمه وتتعلق البنت أكثر بأبيها، ما يولد - أحياناً - عقدة الأم عند الصبيان «أوديب»، وعقدة الأب «إليكترا» عند الفتيات، وهو التعلق اللاوعي للفتاة بأبيها، ما يدفعها للغيرة من أمها، فينشأ الابن يبحث عن زوجة تشبه أمه، وتتمنى الفتاة زوجاً مثل أبيها، فيصدمان بالواقع، أو يعزفان عن الزواج حتى ظهور ذلك الشبيه.

العقدة التي تبدأ بعد الخامسة تنشأ بين جدران المدارس، حيث يختلط الطفل بمجتمع غير أسرته، فيواجه خوفه من الانفصال عن عائلته، يحتمل تنمر زملائه عليه، أو قسوة معلمه، الذي ربما ينعته بالغبي أو الكسول، إن فشل في حل مسألة، أو إجابة عن سؤال، فيكره المعلم والمادة وربما المدرسة، ربما أكثرنا سمع عن شخص لديه عقدة من مادة معينة، خاصة الرياضيات أو الإنجليزي، لتعرضهم لاستهزاء أو سخرية من معلم المادة، فتلازمه هذه العقدة، وإن درس ونجح إلا أنها تبقى عقدته المستعصية.

العقدة النفسية ليست مرضاً دائماً، بل من الممكن أن يعاني منها الأسوياء أيضاً، تحدث نتيجة موقف أو تجارب مؤلمة سابقة. والإنسان يكتشف أنه مصاب بعقدة من شيء ما مع الوقت، كأن يصاب الشخص بعقدة من الزواج، لتجربة فاشلة أو لنشأته بين أبوين في صراع دائم. وهناك عقد لا يتذكر صاحبها متى بدأت أو ما هي تفاصيل وأسباب وجودها، وكل ما يشعر به هو آثار هذه العقدة في سلوكه وأفكاره.

تعريف العقد النفسية يقول إنها «مجموعة من الأفكار المشحونة بالانفعالات المكبوتة، ولها خلفيات من الطفولة أو المراهقة، التي ربما تعرض فيها الشخص لقمع أو لكبت، نتيجة أسلوب التربية أو التعليم الخاطئين، وتظهر في وقت لاحق من العمر».

«علينا أن ندرك أن العقدة النفسية، ليست فقط اندماجًا فكريًا وعاطفيًا حاضرًا في الوعي، وإنما هي أيضًا محتوى هذا الاندماج، الذي يوحي بدفاع الأنا ضد الأفكار والذكريات، وحتى الأحاسيس التي تثيرها مثيرات الواقع الحاضر»،طبقا للفيلسوف «روجيه مكيالي» في كتابه العقد النفسية.

أحياناً تنشأ العقدة مما يقوله الناس، كتخويف الأهل الطفل وتهديده بالطبيب - مثلاً- ليطيع الكلام، فتتكون لديه عقدة خوف من الأطباء، ومهما كبر يبقى يهابه.

هناك عقد نفسية كبيرة - غالباً - تؤثر في حياة الشخص سلبياً ومنها «عقدة النقص، عقدة الذنب، عقدة السرقة، عقدة السخرية، عقدة حب الظهور، عقدة الخوف»، وغيرها من العقد التي تحتاج إلى تشخيص مبكر وعلاج سلوكي.

وهناك عقدة حياتية بسيطة، عقدة «بلا اسم»، وهي ليست ذات تأثير كبير في حياة الشخص، ويعاني منها الكثير، لا تحتاج لعلاج، ويمكن التعايش معها بشكل إيجابي، وتعتبر ردّات فعل عكسية لا إرادية تجاه موقف أو رأي، كأولئك الذين لا يحتملون الظلام، أو لا يحبذون استخدام المصاعد أو السلالم المتحركة، لسبب غير واضح.

لمن يعاني من عقدة نفسية كبيرة، لا تتركها تؤثر في حياتك، راجع طبيبا نفسيا، فكل عقدة ولها حلّال.