أن تتعاطف مع المستضعفين وتنصرهم، وأن تحب الخير وتنبذ الشر، أن تكره الظلم وتقف مع المظلومين هي ثوابت راسخة في حياة كل شخص من البشرية، جينات تولد معه كفطرة سليمة، غير أن المطامع الدنيوية هي ما يلوث الإنسان ويخرجه من إطار فطرته الإنسانية المحبة لكل الفضائل.

ولعلنا في المعالجات الإعلامية في المجمل وبوسائلها كافة، وحتى في الأعمال الدرامية، تنتقد الظواهر الخارجة عن ذلك الإطار، بوصفها سلوكيات لا تمت للإنسانية بصلة، وكان النقد الموجه - حينها - للإعلام والمنتجين (لا تسلطوا الضوء على الممارسات الخارجة عن المألوف وتضخيمها وتحويلها إلى ظواهر مجتمعية).

الواقع الآن أصبح على النقيض تمامًا، فقد توجهت بعض البرامج التلفزيونية نحو إبراز مفهوم القدوة الحسنة ومكارم الأخلاق بعيدًا عن الخطاب الإنشائي، فحولت تلك النصائح إلى مشاهد تمثيلية وتجارب اجتماعية عبر حبكة سيناريو فيه مشاهد خارجة عن الأخلاقيات، ويوضع مجهر يبين كيفية تعامل الناس مع ذلك السلوك ومن ثم رصده وتوثيقه وتمرير ما يراد نشره بعد جملة من تعديلات المونتاج.

غير أن تلك المعالجات تستوجب منا الوقوف عندها كثيرًا، فليس من المنطق نسج قصة وهمية لقياس ردة فعل الناس حيال تعاطيهم مع القضايا الإنسانية وكأنه اختبار لهم ولإنسانيتهم، وكأن ما يفعلونه ليس الأصل، فتصوير ردود الفعل وإضافة مؤثرات صوتية لها بشكل تراجيدي، حوّل الموضوع إلى ترسيخ فكرة أن ردة الفعل الإيجابية تلك هي الخارجة عن المألوف!

بل ذهبنا إلى المبالغة في تعظيم أدوار ردود الأفعال تلك، وكأننا نضع قالبًا وهميًا لنا بأن تلك الممارسات الإنسانية هي المستغربة في مجتمع موغل بالسلبيات، وهو أمر غير واقعي لأن الأصل والأساس هو التفاعل الإيجابي مع أي حالة إنسانية، ولهذا فإن ذلك التعاطي كان يذهب باتجاه قاعدة استنكار المتوقع.

وحتى إن اختلفنا في ذلك التعاطي الذي قد يذهب البعض باتجاه أنه تناول إيجابي من القنوات، لكن تحويله إلى وجبة تلفزيونية رمضانية في كل عام أضحى ممارسة تسويقية للقنوات لرفع نسب المشاهدات، ما يخرج فكرة العمل النبيل إلى جانب ربحي تسويقي تستفيد منه القنوات لمعالجة حالة «الفقر» الدرامي الموجود لديها.

هذا النموذج من الأعمال موجود كممارسات فردية على مدار السنة، نشاهد العديد من مقاطع الفيديو المنتشرة في شبكات التواصل الاجتماعي التي تشحذ همة التعاطف المبتذل، ونزف وفوضى من المشاعر العشوائية لممارسات طبيعية وفطرية. مشاعرنا تستحق الاحترام وتستحق أن تعيش بواقعية بلا تضخيم لأشياء بديهية.