حديث الناس في كل مكان بالعالم هذه الأيام ولسنوات قادمة، هو ماذا يمكن أن يقدم الذكاء الاصطناعي للناس من خدمات تسهل عليهم حياتهم، وتقودهم نحو المزيد من التقدم والإنتاج والتميز، وعند البعض المزيد من الرفاهية، وعند البعض الآخر المزيد من المال، وعند السفهاء المزيد من اللعب وتضييع الأوقات، ولا شك عند المجرمين المزيد من طرق الخداع وجني المال بطرق غير مشروعة.

والمشكلة التي تقع فيها البشرية دوماً مع المنتجات التقنية هي أن ثمرة جهود العلماء الطيبين في المختبرات، الذين يمضون سنوات طويلة في التطوير والاختبار تُقطف في كثير من الأحيان من قبل أشخاص أو كيانات تدفع حفنة من المال وتستخدم تلك المنتجات لخدمة أهدافها السيئة، وتخرب جهود المنتجين، وبدل أن تكون تلك المنتجات لخدمة البشرية تصبح وبالاً عليها في كثير من الأحيان، وهناك كثير من المنتجات المفيدة التي خرجت للنور بعد جهود رائعة من المبتكرين تحولت إلى استخدامات مميتة مع الأسف، ومنها على سبيل المثال عمليات الانشطار والاندماج النووي وما جرَّته على البشرية من أهوال بعد اكتشاف قدرتها الهائلة على التدمير.

روبوت الدردشة أو ما يُسمى المُحوّل التوليديّ المُدرَّب مُسبقًا للدردشة (ChatGPT) هو نموذج للمحادثة مدعوم بنظم الذكاء الاصطناعي المعتمدة على الشبكات العصبية التي تحاكي نظم التفكير البشرية، وهو منتج اختراقي مميز وذو قدرات هائلة، لكن تظل مشكلة هذا البرنامج وغيره هي ضعف الضبط الأخلاقي لسلوك هذا المنتج المميز واستخداماته من قبل العامة. والسؤال الذي يُطرح هنا هو هل كان بجانب هذا الجهد التقني في البرمجة جهد مواز لوضع أخلاقيات ونظم خبيرة موازية لضبط استخدامه بطريقة تضمن أن يكون في مجال الخير والنفع، وتكسير أغلب الطرق التي قد يستخدمها الناس لإحداث الضرر من خلال هذا الروبوت. والذي يظهر حالياً أن التركيز هو على كسب أكبر قدر من المستخدمين وجني مزيد من الأموال من استخدام الروبوت، وهناك بعض الأخبار هنا وهناك عن أخطاء قاتلة لهذه الروبوتات ومنها إقدام أحد مناصري البيئة على الانتحار بعد محادثات طويلة مع روبوت للدردشة، وسيتبع هذه الحادثة حوادث كثيرة، وسنسمع مزيدا من الأخبار عن ما يمكن أن يقدمه (ChatGPT) من خدمات جليلة، ومن مصائب كبيرة، حذر منها عدد من الخبراء ومنهم (إيلون ماسك) الذي حذر من استخدامات الذكاء الاصطناعي في الإباحية مثلما استُخدمت منتجات تقنية أخرى سابقاً لخدمة هذا المجال الوضيع.

المشكلة تكمن في فلسفة العلوم ذاتها، وهل هي مستقلة في ذاتها ولا علاقة لها بمن يستخدم منتجاتها، حيث يتوقف جهد العالِم عند الإنتاج فقط، أم أن العلم لا بد أن يكون محكوماً منذ البداية بمجموعة من القيم، والأخلاقيات المهنية التي تحتم على العالِم ألا يقدم المنتج إلا ومعه صندوق من الأخلاقيات والضوابط التي لا يعمل المنتج إلا بها، وإلا سيتوقف عن العمل، ويُصاب بالبَكَم؟