بعد 11 شهرا من الروتين المنتظم نسبياً في حياتنا بكل مجالاتها من مواعيد نوم ونظام غذائي وتفاصيل يومية، هلّ علينا شهر الخير والبركة رمضان ليجبرنا على تغيير كل هذا. فتحدث حالة من الاختلال في روزنامة أيامنا. وعقارب الساعة تبدأ بلسع بعضها البعض بعشوائية وانتقام حيث البقاء للأقوى. فالنوم مرتبط بمواعيد الوجبات تقريبا فما إن يبدأ الشهر الكريم في أيامه الأولى حتى يبدأ الناس بالتأقلم على السهر مجبرين أو باختيارهم لا يهم المهم أن ساعات نومهم تختلف تماما عما كانت عليه في شهر شعبان. ولا يمر الثلث الأول إلا والناس قد اعتادوا وتبنوا روتينا جديدا بدأت أجسامهم بتقبله. ثم يستمر الجسم بالتعود والتكيف التام على هذا الروتين وعادات النوم والسهر إلى ليلة العيد وهنا تبدأ المعاناة. هي ليلة واحدة وبداية شهر شوال التي تفاجئهم وتفاجئ روتينهم الرمضاني. تبدأ هنا اضطرابات النوم حفلتها في أجسادهم ويبدأ الصراع البيزنطي في محاوله تعديل حالة النوم قبل بداية العودة للعمل والدراسة.

هذا الروتين كما أنه احتاج لوقت لتغير عادات النوم وجداولنا خلال شهر رمضان، بطبيعة الحال يحتاج لوقت للعودة لما كنا عليه ولضبط ساعاتنا البيولوجية. فكل هذا المحاولات الجاهدة من الجميع للعودة لرويتنهم السابق ستمر بحالات نفسية مختلفة واضطرابات نوم مختلفة ومزاج متقلب.

لذا يستوجب على أرباب العمل والمديرين أن يستوعبوا كافة تلك المتغيرات مع موظفيهم وهنا الحديث ليس عن كف يدهم عن العمل تماما وإنما تفهم الحالة والتقلبات المزاجية وكذلك حالة التركيز التي قد لا تكون حاضرة بشكل كامل لدى بعضهم، وهنا يتجلى مفهوم حسن الإدارة والقيادية في كيفية تفهم والتعايش مع ظروف الموظفين بما لا يؤثر على سير العمل بل حتى هؤلاء المديرين ليسوا معصومين من هذه الحالة.

الحديث هنا ليس عن أمر طارئ أو نادر التكرر ففي كل عام يتكرر المشهد وتتجدد إشكاليات الموظفين وتذمرهم بسبب هذه الإشكالية وهو ما يجعلنا نحث المديرين على أن يتعاملوا مع روح القانون بالقدرة على جعل العودة ما بعد رمضان أكثر لينا وسهولة.

ولعلي هنا أشير إلى جهات نجحت في مفهوم العودة المتدرجة من حيث خلق مناخ وظيفي مرن أول الأيام من خلال العمل الجزئي عن بعد لتحقيق غايتين مهمتين، الأولى المحافظة على سير العمل، والأخرى التكييف مع ظروف الموظفين، خصوصا وأن الحالة مؤقتة وطارئة وليست دائمة ومستمرة.

بقي أن أشير إلى أن إحدى الإشكاليات التي قد تواجه كثيرا من الموظفين هذه الأيام هي حجم الأعمال المتراكمة في رمضان، التي تم تأجيلها إلى ما بعد العيد ونلحظ أن كثيرا منها تسبب بها المديرون نتيجة عدم حسم بعض الملفات أو تأجيل بعض الاجتماعات.