لا يكاد ينتهي إنجاز دبلوماسي سعودي إلا ويتبعه إنجاز آخر وبشكل متصاعد، لتتجلى في المشهد السياسي كفاءة النهج الاستراتيجي للدبلوماسية السعودية على كافة الأصعدة الإقليمية والدولية، حيث إن دورها لم يقتصر على معالجة ما يخص علاقات المملكة الخارجية فحسب، بل امتد إلى القيام بدور مؤثر وحيوي في حل الكثير من القضايا العربية والإسلامية والعالمية من خلال المنهجية التي رسمها حكام هذه البلاد عبر عقود ماضية من النجاح الدبلوماسي، وتضاعف نشاطها بشكل لافت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين مما أسهم في تعزيز دور المملكة المحوري في إرساء قواعد السلم والأمن الدوليين.

لقد استطاعت المملكة من خلال رسم سياسات دبلوماسية حكيمة الوصول لطموحها السياسي من العمل الدبلوماسي الانفرادي بما يليق بمكانتها الدينية والاقتصادية وموقعها الجغرافي المميز وبعدها الثقافي وعمقها الاستراتيجي للعالم الإسلامي، حيث إنها تحظى بالعديد من المميزات التي حباها الله لها لتكون إحدى كبريات الدول المؤثرة عالميًا، ففي الشرق الأوسط نلمس الحراك الدبلوماسي القوي للمملكة من خلال إعادة إصلاح العلاقات التي توترت بين دول المنطقة بعد تداعيات الربيع العربي وما نتج عنه من صراعات.

وامتدادًا لتلك الإنجازات نجحت وساطة المملكة العربية السعودية في تبادل إطلاق الأسرى بين موسكو وكييف في وقت لا يزال القتال يحتدم بين الطرفين حتى إن بعض المحللين وصفوا تلك الصفقة بأنها انتصار دبلوماسي وإنساني بامتياز، بهندسة سمو ولي العهد محمد بن سلمان، إذ أتى هذا الحدث نتيجة توازن سياسة المملكة ووقوفها على مسافة واحدة مع كل الدول بما يحقق استمرار امتداد العلاقات الجيدة مع الجميع وتبني مبدأ الحياد واستغلال ذلك للمساهمة الفاعلة في تحقيق الأمن والسلم العالمي ولعب الدور الإيجابي في حل الأزمات والنزاعات الإقليمية والدولية.

وفي الملف اليمني -الذي استعصى على مبعوثي الأمم المتحدة وحكومات دول عظمى إحداث أي تقدم فيه- حققت الدبلوماسية السعودية اختراقًا منقطع النظير في عملية حل الأزمة اليمنية وإنهاء الحرب وجلوس الفرقاء اليمنيين على طاولة الحوار وتبادل الأسرى بين الشرعية والحوثيين من طرف، والتحالف والحوثيين من طرف آخر، ولقيت هذه الخطوة ترحيبًا دوليًا واسعًا وإشادة بالدور السعودي في هذا الصدد.

وما الصراع في السودان من ذلك ببعيد، فقد كان الدور السعودي الدبلوماسي الرائع في إجلاء الرعايا على مرأى ومسمع من العالم الذي أشاد به في عدة بيانات مشتركة من حكومات دول ومنظمات دولية شكرت وثمنت الجهود التي قامت بها الحكومة السعودية بتوجيه ومتابعة من خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين لتأمين عملية الإجلاء والإيواء، وتهيئة سبل الراحة لرعايا عدة دول شقيقة وصديقة، حتى يتم نقلهم إلى بلدانهم وذلك في صورة من صور الإنسانية التي جسدتها المملكة العربية السعودية قيادةً وحكومةً وشعبًا.