تلاحقنا (ملامة) بعض إخوتنا على اشتعال رؤوسنا فخرًا بمشاهد عمليات الإجلاء الناجحة التي ينفذها الجيش السعودي في جمهورية السودان والتي أصبحت حديث الإعلام العالمي على مدى الأيام الماضية.

ربما لا يعرف المنتقدون أن فخر السعوديين بقدرتهم على الفزعة والشجاعة وكرم الضيافة هو تماما كفخر الصيني بسوره العظيم، وفخر العراقي بمسلته، أو المصري بأهراماته.

بالنسبة للعرب تعد القيم أقوى جزء حضاري حي ومتسلسلًا جينيًا يتوارثونه جيلًا بعد جيل، فإذا رأيتم السعوديين (يتنومسون) ليلًا ونهارًا بما تفعله قيادتهم العظيمة وما يقدمه جيشهم الباسل، فاعلموا أنهم في حالة تجسد حضاري، تتجاذبهم نيران أجدادهم الموقدة على أبواب مضائفهم في ليالي الصحراء الباردة (فأَقِلّوا عَلَيهِم لا أَبا لِأَبيكُمُ

مِنَ اللَومِ أَو سُدّوا المَكانَ الَّذي سَدّوا)

يوثق الإعلام السعودي عمليات الإجلاء كجزء من ذاكرتنا وهو استحقاق سياسي وثقافي لأجيالنا القادمة، كما يكتب المغرد السعودي بشكل عفوي إذ يجد في الأحداث انعكاسا لذاته و نموذجه الاخلاقي.

لكن السؤال هو: ما الذي وجده القادة والسفراء الذين انهالوا على السعودية برسائل الشكر والامتنان؟

ماذا رأى الإعلام العالمي ليحول دائرة الضوء لمشاهد الإجلاء على السفن السعودية حتى كادت أخبارها تغطي على أخبار الحرب نفسها؟

وهل يصح عقلًا اتهام كل هؤلاء بأنهم ضالعون في أجندة إغراق إعلامي لحساب السعودية؟!

حسنًا.. هذا حديث آخر.

رأى العالم حالة استثنائية بلا شك، فالقيادة السعودية التي ترفع شعار (الإنسان أولًا) طبقته حرفيًا على أرض الواقع وبذلت كل جهدها و مقدراتها المالية لحماية كل إنسان تستطيع الوصول إليه دون تمييز.

لقد رأى العالم رجالا ونساء تصنعهم بلادهم لخوض المعارك والحروب، واليوم ترسلهم ليحتضنوا الأطفال ويوزعوا الورود على الناجين.

رأى العالم المواطنين السعوديين وهم يقبلون جوازات سفرهم التي لم تعد في هذا المشهد وثائق للعبور بل أصبحت أسفارًا للخلاص.

لقد قارن العالم بين دول كان ديدنها في وقت الأزمات التضحية بمواطنيها فتتمترس بهم، أو تتخلى عن حمايتهم، أو تنهب ما يصل إليهم من مساعدات وإغاثة، وبين السعودية التي تتعالى في أصعب الظروف على قلقها المشروع تجاه مهددات الحرب الدائرة قريبًا من مياهها وتتقدم الصفوف ولسان حالها (أن دعونا ننقذ من الحياة ما يمكن إنقاذه)

كما قارن العالم بين دول عظمى تخلت عن حلفائها فاستثنتهم من عمليات الإنقاذ، أو سلمتهم للريح لتهوي بهم في مكان سحيق، وبين الصقر السعودي الذي حمل الجميع على أجنحته ولم يسقط منه أحد.

رأى العالم كيف أصبحت السفارة السعودية في جمهورية السودان أكثر موثوقية من مقرات المنظمات الدولية التي يعلم الجميع أنها لن تتحرك تجاه أي أزمة بمعزل عن أجنداتها السياسية.

ختاما (اطمئنوا) هذا صوت بلادنا في الأزمات، وليست بعيدة في ذاكرتنا السعودية تلك القرارات الإنسانية الشجاعة التي اتخذتها الحكومة السعودية أثناء جائحة كورونا؛ إذ أصدرت في تلك الأيام عفوًا عن مخالفي الإقامة، ومكنتهم من الفحص والعلاج، وفتحت كل الفنادق والمباني الحكومية للوافدين مجانًا، كما أسهمت بدفع نسبة من رواتب موظفي القطاع الخاص حتى لا يتم الاستغناء عنهم أثناء الإغلاق العام، أما في الخارج فقد تحولت السفارات السعودية إلى غرف عمليات تعمل على إسكان السعوديين في الفنادق الفارهة أو تأمين عودتهم لبلادهم آمنين.

لم تخذلنا بلادنا يوما، وعندما نتحدث عن كل هذا فليس لأننا نجهل أن هذه حقوقنا كمواطنين، بل لأننا نعلم تماما أننا نحصل على حقوقنا كاملة بكل هذا الحب والرعاية والاحترام، في أوقات تموت فيها الشعوب وهي تطالب فقط بأساسيات الحياة وأبجديات الحقوق.

لقد لامست الصورة السعودية قلب الأرض الموجوع، وإنه واجب على أي قلم حر وشريف وصاحب رسالة كونية أن يتسامى على انتمائه الفئوي ومشاعره الحزبية، وأن يعي الأبعاد التاريخية والأخلاقية للحدث، فيشاركنا الاحتفاء بالنموذج السعودي ويدعو للتأسيس عليه قانونيا وسياسيا على الأقل في أوقات الأزمات والحروب، لأجل عالم أكثر أمنًا وأقل حزنا.