قد أضحى من المتقرر لدى العقلاء والفطناء أن المخدرات أصبحت في هذا الزمن من أنفذ الأسلحة التي يستعملها الأعداء للفتك بأفراد المجتمعات، والجنايةِ عليهم بما يفسِد عقولهم وأخلاقهم، وليصبحوا أداة فسادٍ وشرٍ وهدمٍ في مجتمعاتهم، مما يوجب تعاون الجميع لصدهم، ربنا يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )، وإذ لا يخفى على أحد الخطرُ الجسيمُ للمخدرات تهريبًا وَترويجًا وتعاطيًا، لعِظَمِ شرِّها وكِبَرِ ضرِها وجسيم جناياتها على العقولِ والأفكارِ والأخلاقِ والآدابِ والأديان والقيم، فإننا ما نزال نسمع ونرى تلك الأنباء التي ترِد عن ضحاياها من بيننا -كنبأ سوء- أو تكلُّلِ النجاحات اليومية لجنودنا -أعانهم الله وشكر لهم- في مكافحة تهريبِها ومعالجةِ تعاطيها، وهو نبأٌ سارٌّ لكنه يتضمن نبأً سُوءٍ من وجهين يلزمُ معهما تكرارَ الحديث عنها مرارًا، الأول أن أعداءَ الأمةِ بعامةٍ وبلادِنا بخاصةٍ ما زالوا يوجهون سهامَهمُ المسمومةَ لتكون بلادُنا لهم لقمةً سائغةً للتحكم بنا وهدمِ تدينِنا وسلبِ مقدراتنا -خابوا وخسروا أينما وُجِدوا- والأمرُ الآخر أنه لو لم يكن لهم سوقٌ رائجةٌ بيننا لكسدتْ بضاعتَهم وانكفأت خططهم، ونامت وما راجت ونمت، (لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ -وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ- وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)، فإذن يتحتم علينا والوضع كذلك مساندة جهود أجهزة الدولة المباركة في المكافحة والصد، وهو دورٌ عظيم للمصلحين والموجهين، وأولياء الأمور والمربين، وكل مهتم بشأن سلامته الشخصية وأسرته ومجتمعه وأمته، دور لا يتلخص بنقاطٍ محددةٍ، بل هو دورٌ شامل ٌمن النُّصحِ والتوعية وبيان الآثار، ومن تربيةِ النشء ورعايته والتحذيرِ من الأضرار، ومن الإبلاغ عن المروجين والمتعاطين وتتبعهم ليل نهار، ليندحرَ السوءُ وتجفَّ منابعُ الضرِ والشر، وإذ على كل منا مسؤوليات تجاه هذا الأمر فنلخص أهمها بأربع مسؤوليات:

الأولى تقع علينا داخل البيت «التربية المنزلية»، وهي خطُّ الدفاعِ الأول بحسن رعاية الأهل، وتربيةِ الأولاد، والإحسانِ إليهم، وإغنائِهم بالمحبةِ والإكرامِ المنضبط، وبالمؤاخاةِ وخاصة المراهقين منهم، وبالإنصات لهم وحلِّ مشكلاتهم، وتوجيههم لحضور الصلوات بالمساجد، وملازمة حفظ القرآن والسنة، وحثهم كما حث النبي الغلام –بن عباس رضي الله عنهما- بقوله (يا غلامُ إني أعلمك كلمات احفظ الله يَحفَظْك) الحديث، وبالدعاء لهم وليس الدعاء عليهم (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين إماما).

ثم تأتي المسؤولية التالية تجاه من يعلم المرء تعاطيه المخدرات، وذلك «بالتوعية الموجهة» وبتقديم النصح له، كائنًا من كان، فالدين النصيحة، فإن استنصح المَعْنِيُّ وأقلع -فالحمد لله- وإلا فتكون المسؤولية الثالثة (بالإبلاغ عن المتعاطي) بلا تردد ولا استعياب، ولا تخوف ولا استرهاب، بل هو واجب الدين المتحتم لتتم معالجته، وكذا الإبلاغ عن المروجين والمهربين إن عرف عنهم، فهذا واجب شرعي لا تبرأ ذمةُ العبدِ في التهاون فيه وإهمالِه لتعدي ضرره الفردَ إلى جمع الأمة وربنا يقول: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)، ويقول: (والمُؤْمنُونَ وَالمُؤْمنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْليَاءُ بَعْض يَأْمُرُونَ بالمَعْرُوف وَيَنْهَوْنَ عَن المُنكَر).

ثم رابعًا مسؤولية (حسن التعامل مع المعافى) وعدم نبذه وتركه أمام خيارات رفقاء السوء للعودة به إلى طريق الهلاك، بل علينا واجب احتوائه لسلوك طريق النجاة به والمساعدةِ في تجاوز محنته، ولقد هيأت الدولة -رعاها الله- مراكز للمتعافين تُعنى بالمتعافين من براثن المخدرات، وتأخذ بأيديهم إلى موطن السلامة وبر الأمان، فلنتعاون معها، ولنتواصل مع برامجها ولندعمها بما نستطيع، وليتنا نكثر منها ونفيد من برامجها.

وختامًا نسأل الله جل في علاه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يزيد ولاتنا ورجال أمننا توفيقًا وسدادًا وعونًا ونجاحًا، وأن يحفظنا وولاتنا وبلادنا وأبناءنا وبناتنا بما يحفظ به عباده الصالحين، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد.

* المدير العام السابق لفرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة الشرقية