منذ القدم كانت العلاقة بين الرجل والمرأة شاغلا اجتماعيا كبيرا، لما يترتب عليها من معان أخلاقية وقيم مجتمعية كبناء الأسرة واحتضان الأطفال وانعقاد علاقات المصاهرة والقربى.

من هنا كان الزواج بأشكاله المتعددة موضوعا مهما تناولته الأديان والتشريعات، واعتنت المجتمعات بطقوسه واحتفالاته ولوازمه.

الزواج المدني يعد واحدا من أشكال الزواج التي تبلورت بعد نشوء الدول المدنية، ووجد في الأساس لتلافي بعض إشكالات الزواج الديني الكنسي، الذي يعتبر الزواج سرا مقدسا ويحرم الطلاق باعتباره تفريقا لما جمعه الله.

لكن مع الوقت أصبح الزواج المدني مقبولا عالميا، ووجد فيه عدد من المجتمعات علاجا لمشاكلها المتعلقة بنظام الزواج.

ما هو الزواج المدني؟ وما الفارق بينه وبين الزواج الديني؟ وهل يتوقع أن يكون حلا لعدد من المشكلات الاجتماعية المترتبة على عقود الزواج الشائعة حاليا؟

على خلاف الزواج الكنسي فإن عقد الزواج في الإسلام هو أصلا عقد مدني، فلا يلزم أن يكون في المسجد، كما أن المأذون الشرعي يملك تصريحا حكوميا فقط، ولا يعتقد المسلمون بأن لديه أي صلاحيات إلهية تقدس العقد أو تباركه. لكن من جهة أخرى فالزواج الإسلامي تترتب عليه أمور فقهية في مسائل النفقة والميراث والطلاق وغيرها من معاملات قد تتغير فيها المصلحة بتغير الأزمنة والمعطيات.

في الزواج المدني يتم العقد أمام مسؤول حكومي بحضور الطرفين المسجلين مدنيا وإعلان موافقتهما، وبحضور شهود، كما يتم الرجوع للقانون والمحاكم المدنية عند وجود نزاع أو انفصال. ويتميز هذا العقد بكتابة شروط واضحة يرضى بها الزوج والزوجة. وهو بهذا التوصيف لا يتنافى مع العقد الشرعي وإن كان لا يلتزم بالمطالب الشرعية كالمهر والسكن والنفقة، فهذه كلها تعود للاتفاق، قد تطالب بها الزوجة ويقبلها الزوج، أو تتنازل عنها وتطلب غيرها وهكذا.

كما أن الزواج المدني يمنح الطرفين حق اختيار (الطلاق) على قدم المساواة، ويختلف هذا عن الزواج الديني الذي يخص الرجل بهذا الحق دون المرأة التي يلزمها في حال رغبتها بالانفصال اللجوء للمحاكم وطلب الخلع بمقابل مالي أو الفسخ بإبداء أسباب مقنعة.

كما يعالج الزواج المدني مسألة (العضل) التي تضطر معها المرأة لمراجعة المحكمة، ورفع القضايا للحصول على حق الزواج في حال منعها وليها. إذ يتم التعامل مع المرأة في العقود المدنية كطرف مسؤول مكتمل الأهلية فهي قادرة على إتمام العقد بكلمة موافقة منها وهي كذلك قادرة على الانفصال بكلمة منها كالرجل تماما.

يمنع الزواج المدني (التعدد)، فيكون بذلك مشجعا للثقة في استمرار الزواج وجدوى المشاركة المادية في الإنفاق وتأسيس منزل الزوجية. كما يمكن تنظيم النفقات وتقسيم الثروة في حال الانفصال وفق شروط واتفاق واضح.

من ناحية أخرى فالزواج المدني يعالج الإشكالات التي أفرزتها (العقود السرية) من الزواج كالعقود العرفية، وعقود المسيار، التي يسهل التحايل عليها في حال تأخر توثيقها أو لم توثق أصلا، فلا تكون ضامنة لحقوق المرأة أو الأطفال، ويتضرر منها الرجل والمرأة على حد سواء في حال غير الشريك رأيه مثلا، إذ لا توجد مرجعية قانونية واضحة في هذه الحالات ويتم الرجوع هنا للمحاكم الشرعية، حيث يعتمد على السلطة التقديرية في قبول صحة العقد وما يترتب عليه من ثبوت نسب الأطفال والالتزامات المالية وغيرها.

والزواج المدني نظرا لإطاره الوضعي فهو يتميز بآلية مرنة إذ يمكن لأي دولة تقرر إدراجه كخيار لمواطنيها أو زوارها أن تقدر ما يتلاءم مع قانونها وتشريعاتها القائمة، وليس بالضرورة استيراد النسخة الغربية بحذافيرها. فيمكن تحديد العمر المقبول لإجرائه والحالات التي يصرح لها وذلك بما يلبي احتياجات المجتمع ولا يتعارض مع ثوابته ومصالحه.

ختاما.. تشريع الزواج المدني لا يعني إلغاء الأشكال الأخرى من الزواج، بل توفير خيار جديد يكون الشخص فيه أكثر حرية في وضع الشكل الذي يناسبه وفق متطلباته وظروفه وتحت حماية القانون والمجتمع.