تعتبر الآراء والمنشورات والتفاعلات والتغريدات وغيرها من وسائل التعبير الرقمية التي يعبر بها المستخدمون عن آرائهم عبر منصات التواصل الرقمية المختلفة إحدى أهم الأدوات التي يمكن استخدامها في قراءة وتحليل سلوك أولئك المستخدمين عند العمل على الأبحاث المتعلقة بالرأي العام واختبار المزاج العام السائد حول قضية ما سواء بميدان السياسية أو الاقتصاد أو الصحة الخ.

يتيح تحليل البيانات من نصوص وسلوكيات على منصات التواصل الرقمية في استخلاص الملاحظات الرئيسة حول التفاعل والآراء وفعالية السوق بشكل عام ويساعد ذلك في فهم مدى حسن صورة أي شركة أو حملة أو فرد أو قضية أو موضوع في نظر الرأي العام مما قد يساعد على تكوين أبحاث الرأي العام التي تركز على دراسة وتحليل الرأي العام الرائج تجاه قضية ما.

وما يثبت أهمية آراء المستخدمين عبر منصات التواصل الرقمية أن هناك مصطلحاً يسمى «مجال الاستماع الرقمي» فعندما يقوم المستخدم بالتعبير عن رأيه حول موضوع ما يشغل الرأي العالمي _على سبيل المثال كورونا_ في تغريدة فإنه غالباً لا يتوقع أن يصبح محتوى تغريدته جزءاً من تحليل الرأي العام حول تلك القضية، ولكن مجال الاستماع الرقمي الناشئ يستمد مادته من تفاعلات ذلك المستخدم وتفاعلات الآخرين الفردية على شبكات التواصل الاجتماعي، ثم يتم تحليل محتواها لتقييم شعور المستخدمين بشكل فردي وأيضاً لتقييم المزاج العام وعلى رغم أن غالبية استنتاجات دراسات الاستماع الرقمي حول الآراء العامة تنشر من قبل باحثين أكاديميين أو منظمات غير حكومية فإن هذا الأسلوب يقدم في شكل خدمات مدفوعة باعتباره وسيلة لجمع المعلومات لحساب جهات محددة.

يعد الاستماع الرقمي مصطلحاً شاملاً يعبر عن مراقبة وتحليل ما يفعله أو يقوله شخص ما على منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وخلال تلك العملية يتم تحليل كل من السلوك (مثل إعادة التغريد أو الإعجاب أو مشاركة صورة أو التعليق على منشور) والمحتوى (مثل الوسوم والتغريدات والمنشورات والتعليقات) وتستطيع الشركات التي تقدم هذه الخدمات أن تحدد أي موضوعات تناقش بين المستخدمين في وقت معين، كما يمكنها مراقبة الشعور العام الغالب على المحتوى أي ما إذا كان الناس لديهم شعور سلبي أو إيجابي تجاه أحد المرشحين على سبيل المثال. وتوضح إحدى تلك الشركات باسم «باكامو سوشيال Bakamo.Social»، والتي تعمل مع حكومات ومنظمات غير حكومية وأحزاب سياسية، الخدمات التي تقدمها من خلال الاستماع الرقمي على الموقع الإلكتروني الخاص بها (في باكامو، نذهب إلى ما هو أبعد من الكلمات الدالة والشعور العام فمن أدق التفاصيل نستخرج عناوين عريضة تجذب الناس وتشجعهم على الانخراط في المناقشة. نحن نفهم الحديث المجتمعي بأكمله ونتتبع مسار رحلة المستخدم (المستهلك) ونحدد القطاعات بناء على الحاجات ونقف على العوامل التي تحفز عملية اختيار المنتجات وأكثر من ذلك بالاستماع إلى أصواتهم الحقيقية، يمكنك أن تطلع بشكل حقيقي ومفصل وغير مسبوق على سلوك المستهلكين).

تقليدياً عندما يتم التحقق من آراء الناخبين واستطلاع الأجواء العامة أو استقصاء المزاج العام السائد حول موضوع ما كان يستعين الاستراتيجيون والحملات وغيرهم من المنظمات والشركات والجهات الأكاديمية أو غير الحكومية باستطلاعات الرأي والمكالمات الهاتفية وجولات طرق الأبواب وغيرها من الوسائل التقليدية أما مع تقنيات الاستماع الرقمي فقد أصبح من المتاح القيام بأنواع التحليلات ذاتها التي تتيحها تلك الأدوات التقليدية ولكن بشكل أسرع وباستخدام موارد أقل وبدراسة مجموعات أضخم من الناس.

وعندما يتم جمع هذه التحليلات مع مجموعات أخرى من البيانات مثل قوائم المتابعين الخاصة بالمستخدمين أو مواقعهم يمكن وقتئذ أن يقيس الاستماع الرقمي الرأي العام لمجموعة معينة مستهدفة من الناس، مما يجعله أداة قيمة في قياس وتحديد الرأي العام ومدى قبول موضوع أو قضية ما بالنسبة لعينة من المجتمع صغيرة كانت أم كبيرة.

إن البيانات التي يتم جمعها لصالح أبحاث الرأي العام يمكنها أن تحقق عدداً من النتائج:

يمكن أن تساعد البيانات في أن فهم وتوضيح ما إذا كان موضوع أو قضية ما ينظر إليهما بشكل إيجابي أم سلبي، ونوع اللغة التي ترتبط بهما ومقدار الحديث عنهما.

يمكن أن تظهر البيانات القضايا التي يهتم بها الناس من خلال تحليل المواضيع التي يدور أكثر الحديث حولها أو تحليل الوسوم الشائعة خلال فترات زمنية معينة.

يمكن أن تساعد البرمجيات أيضاً في تحديد الأشخاص المؤثرين من خلال معرفة من لديه القدرة على الوصول إلى العدد الأكبر من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ومن لديه رأي إيجابي في شأن قضية معينة.

إن الاستماع الرقمي يمكنه التحايل على بعض المشكلات المرتبطة بأساليب جمع الآراء التقليدية، مثل الرقابة الذاتية وأثر «هوثورن» (Hawthorne Effect) وهو ما يحدث عندما يتصرف الأشخاص بشكل مختلف عند إدراكهم أنهم تحت الملاحظة.

يتيح الاستماع الرقمي أن تقوم الحملات بتقييم وقياس آراء وشعور مجموعات أكبر وأكثر اتساعاً من الناس على نحو يفوق الأساليب التقليدية كالاستقصاءات واستطلاعات الرأي.

يركز الاستماع الرقمي على السلوك بدلاً من الآمال أو أساليب التفكير، فهو بذلك يقدم آراء (غير منقحة).

من النادر أن يقدم المستخدمون أو أن يطلب منهم تقديم الموافقة لكي يكونوا جزءاً من عمليات الاستماع الرقمي التحليلية، ولكن الشركات تتذرع بأنها تجمع بيانات من مساحات (عامة). ويشير الشعار الذي تستخدمه شركة (باكامو سوشيال) والقائل (معلومات من دون أسئلة)، إلى أن هذا الغياب للموافقة قد يعد ميزة.

على رغم أن مزودي خدمات الاستماع الرقمي يشيرون إلى أن (الشعور أمر يسهل فهمه. إنه مجرد إحساس أو عاطفة، إنه أسلوب أو رأي) فإن جمع الآراء ليس أمراً بسيطاً، حيث يركز الاستماع الرقمي على زمن المضارع كوسيلة للتنبؤ بما يريده الناس أو ما سيريدونه في المستقبل، وهو ليس بالضرورة وسيلة موثوقة.

علاوة على ذلك قد يساعد الاستماع الرقمي على قياس والوصول إلى مجموعات مختلفة عن المجموعات التي يجري استطلاعها بالوسائل التقليدية، غير أنه يقتصر على المشاركين في النقاشات السياسية عبر شبكات التواصل الاجتماعي الموجودة على الإنترنت، بالتالي فإنه ينقل منظوراً محدوداً.

بالخلاصة يمكن القول، إن تقنيات الاستماع الرقمي الحالية وعلى رغم أنها أصبحت تستخدم بكثرة وبتزايد مستمر ضمن نطاق أبحاث الرأي العام لتحليل وتقييم وتحديد المزاج العام السائد فإنها لا تحل محل الأدوات الأقدم، بل تستخدم عادة بالاقتران معها وتعتبر مكملة لها من ناحية السرعة والكلفة وإمكانية اشتمالها على عينات أضخم وأكبر من الناس.