على خلاف ما يراه بعض المتابعين الذين يرون في الدعم الأمريكي لأوكرانيا في حربها الحالية مع روسيا على أنها نوع من الحرب التي يخوضها الجانب الأمريكي بالوكالة، يرى المعلق السياسي والخبير في الأمن القومي الأمريكي والذي يركز على سياسة الدفاع والتكنولوجيات الناشئة جايسون كيلماير أن «الأحذية الأمريكية موجودة على الأرض في الحرب فعلا، خلاف ما تذهب إليه بعض وسائل الإعلام التي ترى أن تلك الحرب الضارية في أوروبا حرب تقليدية بالوكالة بالنسبة لأمريكا» ويجزم كيلماير أن السياسة الخارجية ليست أولوية قصوى بالنسبة لمعظم الأمريكيين، خصوصًا مع الصعوبات المعيشية اليومية في أمريكا، حيث بقي التضخم هو القضية رقم واحد، لكنه يرى أنه «حدث شيء مقلق أخيرًا، حيث تواجه أوروبا الآن أول حرب برية واسعة النطاق منذ 70 عامًا، ويبدو أن قادة الولايات المتحدة الأمريكية راضون عن السماح لها بالتمدد إلى أجل غير مسمى، والتقليل من خطر ذلك يمكن أن يتحول إلى صراع طويل ومباشر مع قوة عالمية كبرى ما يعني حدوث كارثة عالمية».

قلق مزدوج

يشير كيلماير إلى أن الأمريكيين يدركون أنه دون مساعدة أمريكا لأوكرانيا، سيستنتج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يستطيع أن يأخذ ما يريد، لكنهم بنفس الثقة يتخوفون ما إن كان دعم أمريكا لأوكرانيا هو في مصلحة أمريكا، متسائلين: هل تبذل أمريكا طاقتها في صراع ليس معركتها، خصوصًا مع الأزمات الداخلية التي تواجهها وأهمها الاقتصاد والحدود وغيرها. ويضيف أن «هناك فجوة خطيرة ومتنامية بين الالتزامات التي قطعتها النخب الأمريكية وما سيدعمه المواطن الأمريكي العادي، وهي فجوة لم تتم معالجتها سياسيًا، مع عدم وجود احتمالات لتحقيق نصر واضح من قبل أي من الجانبين في أوكرانيا، بمعنى أننا حرب استنزافية، ولذا يجب على أمريكا أن تحول جهودها نحو صنع السلام».

هجوم الربيع

يتحدث كيلماير عن أن هجوم الربيع في أوكرانيا لن يغير المعادلة العسكرية، ويقول «لا يملك الأيديولوجيون الدبلوماسيون والمفكرون المدنيون الذين أوصلونا إلى هذه اللحظة أي خطة لتحقيق نصر حاسم في ساحة المعركة، ولا حتى ميزة كافية لإقناع روسيا بالسعي من أجل السلام، والوقت ينفد قبل أن يتحول الأمر إلى نزاع دولي أكبر وأكثر فوضوية. لا يمكن لأمريكا الاعتماد على القيادة الأوكرانية أو الروسية. يجب أن نحدد الثمن الكافي للسلام وبعد ذلك، وبصراحة تامة، بصفتنا الطرف الأكبر والشريك المالي الرئيس في الصراع، نفرض هذه الشروط على جميع الأطراف».

إيقاف الطموح

يرى كيلماير أنه على أمريكا ألا تقتنع أن كل تطور جديد في الصراع هو الجبهة الأخيرة في وقف طموحات بوتين الإقليمية، ويقول «لقد بدأ بوتين مشروعه الإمبراطوري في جورجيا في عام 2008 واستمر دون مقاومة تذكر في شبه جزيرة القرم عام 2014. وعلى مدار ذلك الوقت، تولى سيادة بحكم الواقع على ما يقرب من 2.5 مليون شخص».

وأضاف «تدافع مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن عن عدم وجود تنازلات أو مفاوضات مع بوتين، وهي تعتقد أنه يمكن العمل على الخط الدقيق بين إضعاف القدرات الروسية ومنع التصعيد عبر إطالة أمد الصراع وزيادة اليأس الأوكراني والروسي».

حرب مستمرة

يعتقد كيلماير أن روسيا وأوكرانيا تخوضان أكثر من حرب، وأن حربهما تتطلب موارد وحلفاء وأملًا في النصر، وكلما طالت مدة تقديم أمريكا للتفويضات المطلقة لأوكرانيا، سيظل كل جانب مقتنعًا بضرورة انتظار شروط أكثر ملاءمة قبل السعي لتحقيق السلام.

ويقول «كل أسبوع هناك مزيد من الأخبار والآراء حول ميزة أحد الجانبين أو الآخر في ساحة المعركة، هذه التقارير اللاذعة لا تغير الصورة الأوسع، وكلما طال أمد هذه الحرب، زادت احتمالية أن يرى القادة في روسيا وأوكرانيا ضربات خارج ساحة المعركة المباشرة أو غيرها من الأعمال غير المتكافئة المزعزعة للاستقرار - على أنها مرغوبة ومعقولة. وفي المنطق الضبابي لحروب الاستنزاف، ستكون كذلك».

ويضيف «حاليًا، لا تدعم مؤسسة السياسة الخارجية للولايات المتحدة حليفًا فحسب، بل تطيل أمد الحرب وتخاطر بالأمن العالمي. ولذا فإن أمريكا تحتاج إلى إيجاد حل قريب، بدل أن تطيل أمد الصراع الذي يتفاقم بمزيد من التعبئة والتصعيد، وبدل أن تكون أمريكا شريكة في هذا المأزق يجب أن توفر وسيلة لإنهائه وإجبار الأطراف على التفاوض بشأن سلام منظم، ليس فقط من أجل مصالحهم، ولكن من أجل مصالحها هي أيضًا».