لو راجعت الذاكرة لأمكن أن أمدك بالعديد من النظريات الجمالية التي درسناها في فلسفة الجمال بقسم الفلسفة، ولكنني حريص جدا على أن تجيء إجابتي شخصية.. حميمة.

إني أقف طويلا أمام شجرة ضخمة في شارع البرج، أو في حقل أزهار في حديقة الزهور أمام منظر السحب في الشتاء، أو عند منعطف جسر الجلاء، فأنفعل انفعالا قد يتعذر اجتلاء فحواه، قل إنه نوع من السرور والوجد والاندماج في الكل، وأشعر بنفس الشعور عند سماع أغنية (الأطلال)، أو (من قد أيه كنا هنا) أو عندما أقرأ قصيدة أو قصة!

هذا الانفعال هو مرشدي إلى ما يسمى بالجمال، الجزء المشترك بين هذه الأشياء الذي تستجيب له النفس فيحدث هذه المشاعر. قالوا إن الجمال سيمترية خاصة أو هو الوحدة في التنوع أو التعبير، ولو شمل القبيح والمخيف الخ.. إنه في كلمة واحدة: التكوين الذي يجعل الدنيا والحياة موضعا للإعجاب والحب. إن ما يربطنا بالجمال هو الحب، غير أن الحب يشمل الجميل والجليل، وما ليس جميلا أو جليلا. الحب أشمل، وأثره أبقى، هو خالق الحياة، خالق القيم والمثل العليا، والنهضات والباب الأول إلى سر الكون سبحانه!

والأدب يعرض شتى ألوان الجمال وجمال المرأة وجمال الطبيعة وجمال الذكرى وجمال الخلق وجمال الوجد الصوفي الخ.. يعرضه بالمباشرة الواقعية وبالرمزية، بل إنه يعرضه عندما يعرض القبيح في السلوك والحياة باعتباره الوجه الآخر من العملة. وصور الحب تتغير في الأدب تبعا لتطور الكاتب وعلى مدى مدارج العمر، وليس نادرا أن یبدأ شاعر مثل أبي نواس بالحب الشاذ، وينتهي بما يشبه التصوف والحكمة.. وفي تدرجه هذا يعطي تطلعات النفس البشرية في كافة أعماقها ودرجاتها.

1978*

* كاتب وروائي مصري «1911 – 2006»