من أوروبا إلى أمريكا إلى إفريقيا والشرق الأوسط، وبقية مناطق العالم، عبر تركيب البلاط أو «التبليط» رحلة طويلة، وتطورت جمالياته على مدى آلاف السنين، وعبر حضارات متعددة، وما زال يمثل فنا يضع الحرفيون المهرة لمساته عليه، فيجعلون منه تحفا جميلة.

بدأ «التبليط» كصناعة في العصر الفيكتوري، وشكّلت زخارفه التي يبتدعها صناعه فنا بديعا له بريقه، وتطور عبر رحلة طويلة من الأنماط القديمة إلى الأناقة المبسطة، وتباينت شهرة «التبليط» كتقليد معروف، فكان في أماكن تقليدا عالميا يمكن الاستلهام منه، وكان في أخرى أقل شهرة.

ويمتلك البلاط أو «التبليط» تاريخا طويلا وغريبا، وبفضل مزاياه الفريدة، فهو مضمون لمستقبل طويل، وكما يقال: «ليس هناك شيء لا يمكن تحقيقه باستخدام اللوحة الصغيرة الرائعة التي نسميها البلاط».

الجميل أيضا أن تصميم البلاط يتحسن، ويصبح مستداما، حيث يتم استخدام المواد المعاد تدويرها مثل الزجاج من الأجهزة الإلكترونية في صناعته، لخلق جماليات جديدة مذهلة. أوروبا

مثّلت أوروبا نقطة التقاء تقاليد «التبليط»، حيث جلبت الفتوحات الإسلامية العربية في الألفية الأولى تغطية إسلامية بالفسيفساء من الشرق، لتكمل الفسيفساء الخزفية اليونانية والرومانية القديمة. هذا بالإضافة إلى الهجرة اللاحقة من شمال إفريقيا إلى جنوب أوروبا التي «عززت» التأثير، وأشهرها إعجابًا شكل «أزوليجو» من السيراميك المزجج بالقصدير.

كان أزوليجو (azulejo) نسخة إسبانية عن تقاليد شمال إفريقيا التي وجدت أكثر تعبيراتها ديمومة على جدران المباني ذات الطراز القوطي والبومبالين في البرتغال.

وأدت عاصفة مثالية من النهضة القوطية والتقدم الصناعي إلى جعل البلاط الهندسي والغلاف شائعًا للغاية في إنجلترا الفيكتورية، حيث استخدمت طبقات الطين الملون بدلا من طلاء البلاط المزجج يدويا.

أمريكا الشمالية

استوردت الولايات المتحدة معظم بلاطها حتى 1870، وفي هذه المرحلة ارتفع الطلب بسبب الصخب الفيكتوري، لتحسين النظافة.

جعلت التطورات التقنية الإنتاج الضخم قابلا للتطبيق، فتم إنتاج بلاط في Arequipa Pottery،(1911-18) (1911 حتى 1918)، بينما تعامل الناجون من مرض «السل» مع الطين المحلي كشكل من أشكال العلاج.

تصاميم تقليدية

لدى بلدان أمريكا الشمالية الأخرى تقاليد أطول في صناعة الفخار.

نما أسلوب Talavera Poblana في المكسيك، المستوحى من التقاليد الإسبانية على الطين المحلي الجيد، خلال القرنين الـ17 والـ18.

أدى ارتفاع الطلب على تبليط الكنائس الجديدة إلى تسريع تطور الحرفة، لكن الثمن بقي باهظا، وأدت قيمة البلاط إلى صعوبة بناء منزل به

أمريكا الجنوبية

كولومبيا لديها موقفها الخاص من «أزوليجو» البرتغالي.

كان إنتاج التصميم الداخلي شحيحًا في مطلع القرن العشرين، مما أدى إلى استيراد البناة الأساليب الأوروبية، وإعادة إنتاجها لاحقًا.

تطور «أزوليجو» الكولومبي خلال العصر الحداثي من الأنماط الشبيهة بالنباتات إلى الأنماط الهندسية، حيث تتمتع المباني المهمة بلوحة ألوان أكثر تنوعًا.

استيراد من البرتغال

بدأت المستعمرة البرازيلية استيراد البلاط البرتغالي في ذروة تطور الفن أوائل منتصف القرن الـ18، لكن تطوير البلاط البرازيلي التقليدي شمل أيضا تأثيرات من الخزف الهولندي والفرنسي والإنجليزي.

يقول البعض إن البرازيليين كانوا أول من استخدم بلاطًا زخرفيا على السطح الخارجي للمباني، للحماية من الرطوبة الاستوائية.

الشرق الأوسط وآسيا الوسطى

تميز البلاط الأفغاني المصمم على طراز «هرات»، وصنع منه يدويا المسجد الكبير في «كابول».

يرسم الحرفيون الأنماط بالقلم الرصاص، ثم يملأون ثقوبًا صغيرة على طول الخطوط بالفحم والطلاء الأسود.

يتم طحن الألوان في ورشة العمل وتطبيقها، مع الإشارة بعناية إلى لوحة الألوان المصنوعة يدويًا. انتقلت هذه الحرفة من جيل إلى جيل، ولكنها صارت معرضة للخطر بسبب المنافسة من الإنتاج الصناعي الأرخص. من تركيا إلى القدس

أرسل الخليفة العثماني سليمان القانوني عمال خزف من مدينة «إزنيق» الفخارية الشهيرة في تركيا إلى القدس، لإصلاح أعمال البلاط في منتصف القرن الـ16.

عندما تم الانتهاء من العمل، استقر العمال في دمشق، وطوروا أسلوبهم من خلال لوحة نباتية من اللون الأخضر والأزرق، لرسم أنماط زهرية وهندسية، تاركين «أحمر الطماطم النابض بالحياة» في مسقط رأسهم. اليوم، يتم الاحتفال بخزف دمشق في سوريا كأسلوب في حد ذاته.

آسيا وأوقيانوسيا

نشأ المظهر الخزفي المألوف باللونين الأزرق والأبيض في عهد أسرة تانج الصينية باستخدام صبغة «الكوبالت» الأزرق المطبقة تحت التزجيج بفرشاة.

أصبح الحرفيون الصينيون ماهرين في إنشاء سرد تفصيلي باستخدام ظلال متناقضة من اللون الأزرق. كانت إحدى هذه التقنيات تُعرف باسم fenshui، وتطورت في عصر Ming.

في المقابل، استغرق بلاط Majolica رحلة طويلة من الجذور الإسلامية الأيبيرية عبر إيطاليا وإنجلترا الفيكتورية إلى اليابان في عصر تايشو (1912 - 1926).

طور عمال الخزف اليابانيون الجمالية الخلابة المتعددة الألوان للبلاط الفيكتوري، مما يبرز الجانب الملموس في التصميمات التي حدثت بسبب الحاجة إلى طبقات متعددة من الطلاء.

تم إدخال الأيقونات الهندوسية، لاستغلال السوق الهندية، حيث كان الخزف الياباني بديلا مرحبًا به للأواني الاستعمارية البريطانية.

إفريقيا

يعد بلاط الزليج المغربي قديمًا ومؤثرًا، حيث تطور إلى أسلوب azulejo عند دخوله أوروبا وأمريكا الجنوبية.

في أنقى أشكاله، البلاط عبارة عن شكل هندسي محفور يدويًا بلون عادي، ويستخدم في إنشاء فسيفساء هندسية متقنة ومتعددة الألوان.

اليوم، يوفر النمط بديلا معقدًا للبلاط المزخرف أو كتل الألوان الفردية الأكبر.

من جهتها، تتمتع الجزائر بثقافة فخار نابضة بالحياة، حيث تم إنشاء التصميم الزهري هناك في أوائل القرن الـ20 باستخدام تقنية تسمى «الخط الجاف»، ويرجع لمعانه الخاص إلى تقنية تسمى «الطلاء اللامع»، حيث تمت إضافة أصباغ معدنية مثل النحاس أو الفضة بين عمليات الحرق المتكررة للفخار.